الإسلاميون خارج المعادلة.. ماذا وراء الإفراجات الأخيرة عن معتقلين في مصر؟
الأربعاء - 19 يناير 2022
منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، طالبت منظمات دولية النظام المصري، بالإفراج عن المعارضين والناشطين المعتقلين، لكن السيسي لم ينفذ أي منها، زاعما أنه لا يوجد في مصر أي معتقلين سياسيين بل محاكمات طبيعية في قضايا جنائية أو أمنية.
غير أنه خلال الأسابيع الماضية، أفرج نظام السيسي الانقلابي عن عدد محدود من الناشطين والمعارضين غالبيتهم من غير الإسلاميين، مع توقعات بالإفراج عن المزيد، ما فتح باب التساؤلات عن أسباب إخلاء سبيلهم، لا سيما أنها جاءت بعد "شروط أمريكية"، و"مساومات" مع ناشطين آخرين، بحسب موقع الاستقلال.
في 13 و14 سبتمبر/ أيلول 2021، نشرت صحيفتا "بوليتيكو" و"واشنطن بوست" الأميركيتان، تقارير تتحدث عن حجب إدارة الرئيس جو بايدن 10 بالمئة (130 مليون دولار) من المساعدات العسكرية للجيش المصري، ورهنها بشرطين: الأول، إنهاء قضية ما يسمى "التمويل الأجنبي" لمنظمات المجتمع المدني (القضية 173 لسنة 2011)، التي تحركت مصر لتصفيتها قبل عام، وتبرئة أغلب المنظمات الأهلية الأجنبية والمصرية المتهمة فيها، تمهيدا للغلق الكامل لها، والثاني، إسقاط الاتهامات بحق 16 ناشطا مصريا معتقلا وإطلاق سراحهم، وقالت صحف أميركية إن واشنطن أرسلت أسماءهم للقاهرة عبر السفارة الأمريكية في يونيو/حزيران 2021، دون تحديدهم.
وقال مصدر أميركي لصحيفة واشنطن بوست: "إذا نفذ المصريون الشروط وأكملوا معايير حقوق الإنسان التي وضعناها فإنهم سيحصلون على الـ 130 مليون دولار المحجوزة"
تمديد المهلة
الحقوقي المصري المقيم بالخارج بهي الدين حسن أوضح أن المهلة التي وضعتها إدارة بايدن لرئيس النظام للسيسي لتنفيذ الشروط، مقابل الإفراج عن باقي المعونة الأميركية، تنتهي منتصف يناير/ كانون الثاني 2022، ويتردد أن السيسي طلب مدها لآخر الشهر.
وذكر حسن عبر تويتر في 9 يناير أنه "جرى تحرير 5 معتقلين من الـ16 هم: إسراء عبد الفتاح، وباتريك زكي، وعلا القرضاوي، ورامي شعث، ورامي كامل، وخلال أيام يكتمل الإفراج عن 16 أسيرا مصريا اشترطت إدارة بايدن الإفراج عنهم".
وأوضح أن الشرط الثاني المتعلق بإنهاء قضية 173 الخاصة باتهامات ملفقة لمنظمات مجتمع مدني، يكاد ينتهي، لكنه توقع إنهاء القضية "ورقيا"، واستبدالها بقضايا أخرى "أخبار كاذبة، ضرائب".
بالتزامن مع توقع مصادر مصرية مختلفة إطلاق مزيد من المعتقلين في صورة إفراجات فردية، أكد البرلماني السابق محمد أنور السادات، الذي يوصف بأنه "عراب المصالحة بين النظام والمعارضة"، أنه سيتم الإفراج عن آخرين.
بجانب الخمسة الذين تحدث عنهم بهي الدين حسن، تم إطلاق الشاعر خالد سعيد صاحب أغنية "مصر تحيا" بعد 3 سنوات حبس منذ يوليو/تموز 2017، لأنه شارك ثورة يناير 2011 وكتب أشعارا عنها.
كما تم إخلاء سبيل 15 فتاة وسيدة في 10 يناير بتدابير احترازية، بعدما تجاوزن مدة الحبس الاحتياطي أكثر من عامين، بعد اعتقالهن ضمن حملات قبض عشوائية عام 2019، أو لأن أزواجهن لهم خلفيات سياسية.
كذلك قررت محكمة جنايات القاهرة في 11 يناير إخلاء سبيل 10 معتقلين على ذمة قضايا سياسية بتدابير احترازية، بعد فترات حبس احتياطي تزيد على عامين.
وفي نفس اليوم قررت النيابة العامة رفع اسم المهندس الناشط السياسي ممدوح حمزة من قوائم الإرهاب، وإلغاء الحكم الصادر ضده بحبسه 6 أشهر، وإعادة محاكمته مرة أخرى.
هذه الإفراجات اعتبرها "أكاديمي مصري" مؤشرا على رضوخ النظام في مصر لشروط الإدارة الأميركية بعدما وضحت نية بايدن رفضه لقاء السيسي قبل تنفيذ شروطه بتخفيف القيود القمعية خشية انفجار الوضع في مصر وتضرر مصالح أميركا.
الأكاديمي، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أوضح لـ"الاستقلال" أن النظام في مصر لن يرضخ للشروط الأميركية كلها، لكنه يبدي نوعا من "التساهل" ببعض الإفراجات ويحاول "التحايل والالتفاف عليها" دون أن يعني هذا أن هناك انفراجة سياسية حقيقية.
"مساومات الشريف"
من ناحية أخرى، قال ناشطون مقربون من اليوتيوبر عبد الله الشريف المشهور بتسريباته عن النظام إن الأخير هو من يقف وراء إطلاق سراح بعض المعتقلين، لا ضغوط أميركا، مشيرين لإطلاقه 50 من هؤلاء المعتقلين مقابل عدم نشره تسريبات تفضح رموز النظام.
"الشريف"، الذي تحدث سابقا عن مقايضة وقفه نشر تسريبات بإطلاق معتقلين، نشر عدة تغريدات حول إطلاق المعتقلين، في إشارة ضمنية لوقوفه وراء الإفراجات الأخيرة.
ورغم هذه الإفراجات، جاء الحكم بمواصلة سجن نشطاء مثل علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر ومحمد أكسجين، في نهاية ديسمبر 2021، واكتفاء المتحدث باسم خارجية بايدن بالقول إنه يشعر بخيبة الأمل من الحكم، ليزيد من الشكوك حول التزام نظام السيسي الكامل بالشروط الأميركية.
سارة ليا ويتسن، رئيسة منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي" (مستقلة/ مقرها واشنطن)، كتبت في مجلة "فورين بوليسي" بتاريخ 10 يناير عما أسمته "مغالطة معضلة حقوق الإنسان بمصر مقابل الأمن القومي الأميركي"
وأكدت أن "الحكومة الأميركية قادرة تماما على ضمان أمن مواطنيها دون أن تكون صديقة للطغاة، ودون بيع الأسلحة للحكام المستبدين"
وأضافت أن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان "لا تستطيع" العمل بسبب الدعم العسكري الأميركي للطغاة والتأثير الفاسد للحكومات الأجنبية التي تبيع السلاح لهذه الأنظمة الاستبدادية"
وأشارت ويتسن إلى أن "الجنرال السيسي يقلد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مهاجمة المعارضين هنا في الولايات المتحدة، ويعتقد أنه يمكن أن يفلت من نفس النوع من البلطجة الوحشية"
وشددت على أن فشل حكومة بايدن في معاقبة ابن سلمان هو السبب الذي يجعل السيسي يعتقد أنه يستطيع الإفلات من العقاب عند تجسسه ومضايقته لمنتقدي نظامه المقيمين هنا في الولايات المتحدة.
المصدر: صحيفة الاستقلال