من الازدهار إلى الانهيار.. الأزمة الاقتصادية تُجهز على الصحافة المصرية
الخميس - 25 سبتمبر 2025
- الأزمة الاقتصادية رفعت تكلفة مدخلات صناعة الصحافة وأثّرت على رواتب الصحفيين
- تراجع الإيرادات أدى إلى تراكم الديون وإغلاق الصحف واختفاء الصحافة المستقلة
- احتكار الأجهزة الأمنية للملكية وسوق الإعلانات قضى على اقتصاديات الصحف
- تراجع جودة المحتوى وتقلص أعداد الصحفيين المؤهلين وتزايد الفصل التعسفي
"إنسان للإعلام"- تقرير:
تُعَدّ الأزمة الاقتصادية من أبرز التحديات التي واجهت الصحافة المصرية في السنوات الأخيرة، إذ تراجعت إيراداتها بشكل ملحوظ، الأمر الذي أدى إلى انخفاض جودة المحتوى الصحفي وتدهور أوضاع العاملين في هذا المجال.
ومع تفاقم الضغوط الناجمة عن الأزمة، وجد الإعلام التقليدي نفسه في مواجهة منافسة شرسة مع وسائل الإعلام الرقمية التي تشهد نموًا متسارعًا.
في هذا التقرير نتناول تأثير الأزمة الاقتصادية على الصحافة المصرية، واستراتيجيات تعاملها مع تلك التحديات، كما نسلّط الضوء على انعكاس الأزمة على اقتصاديات العمل الصحفي، وأوضاع الصحفيين المصريين في ظل هذه الظروف.
أزمة مصر الاقتصادية تلقي بظلالها على الصحافة
شهد الاقتصاد المصري خلال العقد الماضي تحديات جسيمة نتيجة السياسات غير المدروسة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة في عهد السيسي، ما أسفر عن أزمة امتدت آثارها إلى معظم القطاعات، بما فيها الإعلام والصحافة.
كما ساهم التراجع الحاد في قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، بفعل التضخم المزمن والعجز المتكرر في الموازنة العامة، في ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية.
وقد أثّر ذلك بشكل مباشر على القوة الشرائية للمواطنين، وانعكس بدوره على تكلفة الطباعة ومدخلات صناعة الصحافة، بما في ذلك الورق والحبر وأدوات التوزيع، مما فاقم صعوبات بقاء الصحف الورقية.
ورغم الحملات الإعلامية المكثفة التي تسوّق لإنجازات اقتصادية منسوبة إلى نظام السيسي، والترويج لكون مصر على وشك تجاوز أزمتها، أكدت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، أن "مصر ستظل تواجه تحديات اقتصادية ومالية كبيرة تضغط على تصنيفها الائتماني"، مشيرة إلى أن "الاقتصاد الكلي للبلاد مرّ بظروف صعبة خلال العامين الماليين 2024 و2025، في ظل ارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي"[1]
وفي تقرير آخر، أكدت شبكة "بلومبيرغ" الأمريكية أن الأزمة الاقتصادية في مصر تمثل تهديدًا جديًا لمختلف القطاعات، ومن بينها الإعلام والصحافة، التي تعاني بالفعل من ضغوط متزايدة في ظل بيئة اقتصادية صعبة[2].
تحديات التمويل والإيرادات في الصحف المصرية
تجلّت آثار الأزمة الاقتصادية على الصحافة المصرية في عدة مظاهر رئيسية:
- تراجع الإيرادات: مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، انخفضت بشكل ملحوظ إيرادات الصحف، خاصة من الإعلانات التي تُعد المصدر الأهم لتمويل الصحافة ووسائل الإعلام.
- إغلاق الصحف والمجلات: اضطرت العديد من الصحف والمجلات إلى التوقف عن الصدور بسبب نقص الموارد المالية، فيما لجأت أخرى إلى تقليص عدد صفحاتها، وهو ما أسهم في انحسار دور الإعلام الورقي في مصر.
- تأثر الصحافة المستقلة: اعتمدت الصحف المستقلة على تمويل الإعلانات وبعض الإيرادات الخارجية، لكنها تعرضت لضربة قاسية بفعل الأزمة، ما أدى إلى تقلص مساحتها الإعلامية وتراجع دورها في المشهد الصحفي.
- السيطرة الحكومية على ملكية الصحف: أسهم توحيد نمط الملكية تحت هيمنة الجهات السيادية في إحكام الرقابة الحكومية على وسائل الإعلام، وتقليص مساحات الحرية الصحفية، وتحويل بعض الصحف إلى أدوات دعائية للسلطة.
- التحول إلى الإعلام الرقمي: دفعت الأزمة الاقتصادية عددًا من الصحف إلى الاتجاه نحو الصحافة الرقمية، ورغم النمو الملحوظ في هذا القطاع، إلا أن التحدي الأكبر ما زال يتمثل في إيجاد نماذج تمويل مستدامة بعيدًا عن الاعتماد على الإعلانات فقط.
- تراكم الديون على المؤسسات القومية: مع استمرار الأزمة، تراكمت الديون على المؤسسات الصحفية القومية، ما جعلها مهددة بالخصخصة أو التصفية.
وقد جرى بالفعل تصفية بعض الصحف مثل المساء، والأهرام المسائي، والمسائية، إلى جانب مجلات مثل الكواكب وطبيبك الخاص، كما طُرحت بعض الأصول للاستثمار، وهو ما أثار تساؤلات واسعة، رغم النفي الرسمي المتكرر.[3]
في هذا السياق، كشف الكاتب الصحفي ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام سابقًا، في عام 2021، عن حجم المعاناة التي تعيشها الصحف الحكومية على المستويين المادي والمهني، موضحا أن رقم توزيع 50 ألف نسخة يوميًا لم يعد متحققًا في أي مؤسسة صحفية، باستثناء بعض الأعداد الأسبوعية، وأن أي مجلة أسبوعية لا يتجاوز توزيعها ألف نسخة فقط، بما في ذلك النسخ المجانية، في بلد كان عدد سكانه آنذاك قد بلغ 100 مليون نسمة.
كما أظهر التقرير السنوي للإحصاءات الثقافية لعام 2021، الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، استمرار التراجع الحاد في توزيع الصحف الورقية، حيث ذكر أن عدد النسخ اليومية الموزعة من الصحف الصادرة باللغة العربية لم يتجاوز 351 ألف نسخة، مع احتساب النسخ المجانية الموزعة على الجهات الحكومية.
على سبيل المثال، بلغ متوسط توزيع صحيفة الوفد الحزبية اليومية 1501 نسخة فقط، فيما وصل توزيع صحيفة الأهالي الأسبوعية (الصادرة عن حزب التجمع) إلى نحو 3 آلاف نسخة.
ورغم هذا الانحدار الكبير في نسب التوزيع، تمتنع المؤسسات الصحفية القومية عن نشر أرقام توزيعها أو ميزانياتها، على الرغم من نص المادة (23) من قانون تنظيم الصحافة الصادر عام 1996، التي تُلزم هذه المؤسسات بنشر قوائمها المالية كل ستة أشهر، وتسليم حساباتها الختامية إلى الجهاز المركزي للمحاسبات خلال ثلاثة أشهر من انتهاء السنة المالية[4] .
وقد دفعت هذه الخسائر الهيئة الوطنية للصحافة إلى رفع رؤوس أموال معظم المؤسسات الصحفية بقيمة الإعانات التي تحصل عليها من وزارة المالية، في محاولة لتعويض الخسائر الناجمة عن تآكل حقوق الملكية.
ورغم غياب إعلان رسمي عن حجم الخسائر الفعلية، فإن أرقام الديون تمثل مؤشرًا خطيرًا؛ إذ تشير تقديرات بعض المختصين إلى أن الديون المتراكمة على المؤسسات الصحفية تجاوزت 25 مليار جنيه بحلول عام 2024 [5].
أزمة تمويل تهدد استمرارية الصحافة
في السياق، أكدت دراسة بعنوان "محددات أزمة التمويل في صناعة الصحافة"، نُشرت في المجلة المصرية للبحوث والإعلام، أن صناعة الصحافة في مصر تشهد تراجعًا حادًا بفعل الأزمة الاقتصادية المتصاعدة.
وأشارت إلى أن قدرة الصحف المصرية على الاستمرار باتت مهددة، في ظل أزمات التمويل وتراجع سوق الإعلانات، إلى جانب المنافسة القوية من البدائل الإلكترونية التي استحوذت على جزء كبير من القراء والمعلنين.
وأوضحت الدراسة أن الصناعة واجهت خلال السنوات الماضية تحديات أكثر خطورة ووضوحًا، خاصة مع نمط الملكية الأحادي الخاضع لجهات سيادية، وهو ما قلّص من تنوع وتعددية السوق الإعلامي.
وتؤكد نتائج الدراسات ومؤشرات الواقع أن الأوضاع المالية والإدارية لمعظم المؤسسات الصحفية، بل وحتى القنوات التلفزيونية – سواء المملوكة للدولة أو للقطاع الخاص – تنذر بخطر وشيك قد يفضي إلى انهيار صناعة الإعلام في مصر، وبالأخص الصحافة المطبوعة، وصولًا إلى إفلاسها تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المستمرة.
وخلصت الدراسة إلى أن الصحفيين والقيادات الإعلامية المشاركين فيها يرون، بدرجات متفاوتة، أن الصحافة المصرية تمر بأزمة مالية خانقة تهدد وجودها، ولا سبيل لتجاوزها إلا عبر:
- تغيير نمط الملكية.
- إعادة التنافسية بين المستثمرين في القطاع الإعلامي.
- الالتزام بالمعايير المهنية.
- تنويع مصادر الدخل.
- توفير ظهير إلكتروني لكل صحيفة ورقية[6] .
كما أشارت ورقة بحثية بعنوان "التضخم يضعف شغف قراءة الصحف لدى المصريين"، نُشرت على موقع إندبندنت عربية عام 2023، إلى أن موجة التضخم في مصر دفعت المواطنين إلى العزوف عن عادة قراءة الصحف اليومية، نتيجة الضغوط المعيشية وارتفاع تكاليف الحياة.
وأوضحت الورقة أن "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" أكد معاناة نحو 19.8% من الأسر من تراجع في الدخول، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على ضعف الإقبال على شراء الصحف اليومية.
كما أكدت الورقة أن شعبة الطباعة والورق بالغرفة التجارية ترى أن تراجع توزيع الصحف، محليًا وخارجيًا، يُعد نتيجة طبيعية للتدهور الاقتصادي في البلاد.
وأشارت إلى أن تكاليف الإنتاج والخامات المستوردة، ولا سيما الطباعة والأحبار، شهدت ارتفاعات متكررة، الأمر الذي أدى إلى زيادة أسعار الصحف وتغيّر عادات الجمهور في استهلاكها، خصوصًا مع اتساع نطاق الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية.
وبحسب بيانات المجلس التصديري للورق والطباعة والتغليف، فإن الارتفاع العالمي في أسعار الورق، إلى جانب ندرة المعروض في السوق المحلية، فضلاً عن فرض وزارة المالية رسومًا بنسبة 14% على "نولون الشحن" (أجور وعمولة شركات الشحن المسؤولة عن التخليص الجمركي للحاويات المستوردة)، قد ساهم مجتمِعًا في رفع أسعار الصحف داخل السوق المصرية[7].
أثر توحيد نمط الملكية على اقتصاديات الصحافة
منذ انقلاب 2013، تعرضت الصحافة المصرية لسطوة الأجهزة الأمنية، التي وضعت يدها على السوق الإعلامي عمومًا والصحف بشكل خاص، حيث يؤمن قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي بأن الإعلام لا بد أن يسير في انسجام تام مع توجهات السلطة، وهو ما لم يقتصر على إعادة صياغة ترسانة القوانين المقيّدة للنشاط الإعلامي، بل تطلّب أيضًا أن تُظهر الدولة أنيابها في مواجهة المؤسسات الإعلامية ومموليها، الذين تعرضوا لضغوط مكثفة أجبرتهم إما على الانسحاب من المشهد، أو على الرضوخ الكامل لأهداف النظام الإعلامية.
وانتهت هذه العملية بابتلاع شركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" — المحسوبة على جهاز المخابرات العامة — كامل السوق الإعلامي المصري بمختلف قطاعاته، ليصبح خاضعًا كليًا للتوجيهات السيادية، غير أن هذه الشركة نفسها تأثرت بالأوضاع الاقتصادية والفساد المستشري في إدارتها، ما انعكس سلبًا على الصحف المصرية واقتصادياتها، خاصة بعدما استحوذت الشركة على سوق الإعلانات وحرمت الكيانات الصحفية المستقلة من نصيبها.
وقد قاد ذلك إلى تدهور شامل في اقتصاديات الصحف المستقلة العاملة داخل مصر، فضلًا عن حجب معظمها عن الجمهور داخل البلاد[8] .
تأثير الأزمة الاقتصادية على جودة المحتوى
كان للأزمة الاقتصادية أثر بالغ السوء على جودة المحتوى الصحفي، إذ بات المنتج في معظم الصحف غير قادر على جذب الجمهور، وعانت الكثير من المؤسسات الإعلامية صعوبة في توفير التمويل اللازم لإنتاج محتوى مهني عالي الجودة، ما أدى إلى تقليص أعداد الصحفيين المؤهلين، وتقليص الاعتماد على المعدات الحديثة الضرورية للعمل.
كما أن شركات الإعلان، التي تُعد المصدر الرئيسي لتمويل الصحافة، تواجه بدورها تراجعًا حادًا في الإيرادات بسبب الأزمة، وهو ما انعكس على تقليص ميزانيات المؤسسات الصحفية والإعلامية.
ومن أبرز آثار الأزمة على جودة المحتوى، الميل المتزايد إلى الصحافة التجارية والترويجية، في محاولة لتعويض الخسائر المالية عبر اجتذاب أكبر عدد ممكن من القراء أو المشاهدين.
هذا التوجه أضعف حضور المحتوى الجاد القائم على التحليل العميق، وأدى إلى تراجع الاهتمام بالأخبار المحلية والتحقيقات المطوّلة التي تتطلب وقتًا وجهدًا أكبر.
ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية وتوحيد أنماط الملكية الإعلامية، اتسعت دائرة الرقابة الحكومية على وسائل الإعلام، وهو ما أثّر بشدة على حرية الصحافة وجودة التحقيقات المستقلة.
كما تعرض الصحفيون لضغوط متزايدة في ما يتعلق بتغطية القضايا الحساسة أو ممارسة النقد السياسي، الأمر الذي قوض التنوع وأضعف جودة الإنتاج الصحفي.
وفي خضم هذه الأزمة، انشغلت الهيئة الوطنية للصحافة بالتركيز على الجانب الاقتصادي وحده، وخاصة كيفية معالجة الديون، متجاهلة تمامًا تطوير المحتوى. ووفقًا لمراقبين، فإن هذا التوجه يعمّق الأزمة ولا يساهم في معالجتها، إذ يتم اختزال أزمات الصحافة في مشكلة تراكم الديون، بينما يكمن جوهر الأزمة في ضعف المحتوى ذاته وعدم قدرته على استعادة ثقة الجمهور.
ويرى كثير من الخبراء أن الأزمة الاقتصادية التي تضرب المؤسسات الصحفية ليست سوى انعكاس مباشر للتقصير في تبنّي خطط غير تقليدية لإعادة جذب الجمهور إلى الإصدارات مجددًا، عبر محتوى يواكب احتياجاته وينقل صوته إلى صانع القرار ويتعامل مع قضاياه بمهنية وجدية.
ولا تبدو الحكومة نفسها مكترثة بأوضاع الصحف الرسمية، بل ربما فقدت الأمل في تطويرها أو استعادة دورها السابق، بعد أن تراجع تأثيرها وبريقها لدى الرأي العام، ولم تعد -كما كانت- صاحبة شعبية ووسيطًا بين السلطة والشارع، ولهذا السبب، لا يبذل العديد من المسؤولين أي جهد لإعادة الاعتبار لها[9].
أثر الأزمة على العاملين في الصحف
في ظل هذه الظروف، يواجه الصحفيون في مصر انخفاضًا ملحوظًا في الأجور، الأمر الذي يحدّ من قدرتهم على تقديم محتوى احترافي متميز، رغم الأعباء المعيشية المتزايدة، التي تدفع كثيرين منهم إلى البحث عن وظائف إضافية أو تقليل ساعات العمل في الصحافة، كما أصبحت البطالة والفصل الجماعي من أبرز المخاطر التي تهدد الصحفيين المصريين.
ويُعَدّ ملف تعيين الصحفيين المؤقتين في المؤسسات القومية من أبرز القضايا التي تكشف عن تعنّت حكومي واضح، بذريعة عدم توافر الموارد المالية لتثبيتهم، رغم أن كثيرًا منهم يعمل في هذه المؤسسات منذ أكثر من أحد عشر عامًا دون تسوية أوضاعهم.
وتعود جذور الأزمة إلى إعلان الهيئة الوطنية للصحافة، في منتصف أغسطس 2024، بدء إجراءات تعيين الصحفيين المؤقتين عقب توقيع بروتوكول مع نقابة الصحفيين، يقضي بتشكيل لجنة تضم ممثلين عن مجلس النقابة وعددًا من كبار الكُتّاب ورؤساء تحرير الصحف القومية.
وقد أُجريت حينها اختبارات مهنية لمئات الصحفيين، مما أعطى انطباعًا بأن مسار التعيين قد انطلق بالفعل، غير أن المشهد تبدّل بعد خسارة مرشحي الحكومة في انتخابات النقابة، إذ تراجع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عن الاتفاقات السابقة، ولم تُعلَن نتائج الاختبارات، ولم تصدر أية قرارات تعيين، وهو ما أثار شكوكًا حول وجود نوايا مبيتة لتعطيل هذا الملف.
أما ملف الفصل التعسفي، فقد تحوّل إلى ظاهرة أطاحت باستقرار مئات الأسر الصحفية، خصوصًا في المؤسسات الخاضعة لسيطرة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، مثل: اليوم السابع، الدستور، الوطن، المصري اليوم، والبوابة. ويشير مراقبون إلى أن هذه المؤسسات باتت أدوات تنفيذية للتخلص من الصحفيين عبر قرارات فصل غالبًا ما تفتقر إلى السند القانوني أو المهني، وتستهدف – في ظل الأزمة الاقتصادية – إسكات الأصوات المعارضة وترهيب بقية الجسم الصحفي.
وفي هذا السياق، كشفت دراسة صادرة عن المرصد المصري للصحافة والإعلام بعنوان "الفصل التعسفي... هيمنة للمؤسسات وتشريد للصحفيين"، أن المؤسسات الصحفية توسعت بشكل غير مسبوق خلال العقد الأخير في ممارسة الفصل التعسفي. وأوضحت الدراسة أن هذه المؤسسات غالبًا ما تتذرع بأسباب اقتصادية أو بخطط إعادة هيكلة لتبرير قراراتها، بينما تكون الدوافع الحقيقية سياسية أو مرتبطة بحرية الرأي والتعبير.
وأكدت أن عدد الصحفيين الذين تعرضوا للفصل التعسفي خلال السنوات العشر الماضية تجاوز 3,000 صحفي، وهو رقم صادم يعكس حجم التدهور في الحقوق المهنية داخل بيئة العمل الصحفي في مصر.
وطالبت الدراسة بتفعيل دور نقابة الصحفيين في حماية أعضائها، وفقًا لصلاحياتها القانونية، مع تعديل التشريعات بما يمنح القضاء حق إلغاء قرارات الفصل التعسفي وإعادة الصحفي إلى عمله طالما استمرت المؤسسة في مزاولة نشاطها.
كما شددت على ضرورة التزام المؤسسات بدفع بدل التكنولوجيا والتدريب للصحفيين المفصولين، إلى جانب منح النقابة صلاحية فرض غرامات على المؤسسات المخالفة.
وعلى امتداد العقد الماضي، شهد العمل الصحفي تدهورًا غير مسبوق؛ إذ لجأت مؤسسات خاضعة لسيطرة "المتحدة" إلى تخفيض رواتب الصحفيين أو تأخير صرفها، بينما عانت الصحف الحكومية بدورها من تأخر الرواتب لأشهر.
وفي ظل هذه الظروف، لجأ بعض رؤساء تحرير الصحف الصغيرة إلى اتفاقات غير رسمية مع العاملين لديهم، تنص على العمل دون أجر مقابل إدراجهم في كشوف النقابة ليحصلوا لاحقًا على "بدل التدريب والتكنولوجيا.
وفي السياق ذاته، كشف تقرير صادر عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ما وصفه بـ"سياسات التجويع"، التي تستهدف المنتقدين والمعارضين في مصر، سواء عبر الفصل من العمل أو الحرمان منه، باعتبارهم "أعداء للوطن"، وكان الصحفيون في صدارة الفئات المتضررة من هذه السياسات العقابية[10] .
وفي ظل استمرار سياسات الفصل التعسفي، وعدم توفر فرص عمل للمتعطلين، وافق مجلس نقابة الصحفيين، منذ ثلاثة أعوام، على تنظيم وتوسيع استفادة الصحفيين المتعطلين عن العمل من إعانة البطالة التي تقدمها النقابة[11].
ونخلص الى أن الأزمة الأقتصادية بمصر أضرت بصناعة الصحافة، والصحف والعالمين بها أشد الضرر ، وأثرت سلبا على مستوى جودة المحتوى الصحفي المقدم للجمهور المصري .
المصادر:
[1] "كيف قيّمت وكالة "فيتش" إصلاحات مصر الاقتصادية؟"، عربي21 ، 15 مارس 2024 ، https://n9.cl/qmgkj
[2] ""بلومبيرغ": أجوبة 7 أسئلة أساسية عن الاقتصاد المصري" ، العربي الجديد ،22 مارس 2024 ، https://n9.cl/3e13w
[3] "ديون متراكمة وإجراءات متلاحقة.. هل تبيع مصر الصحف الحكومية أم تستثمر أصولها؟" ، الجزيرة نت، 7 يوليو 2022 ، https://linksshortcut.com/hUamN
[4] ممدوح الولي: الصحف القومية تنهار وتوزيع بعضها لا يتعدى ألف نسخة!" ، عربي 21 ، 3 مارس 2018 ، https://cutt.us/5N23U
[5] ممدوح الولي ، "الصحف المصرية.. أرقام صادمة" ، الجزيرة مباشر، 9 فبراير 2023 ، https://cutt.us/VbKn3
[6] "محددات أزمة التمويل في صناعة الصحافة " ، المجلة المصرية للبحوث والإعلام ، 10 أغسطس 2016 ، https://linksshortcut.com/xauRz
[7] "التضخم يضعف شغف قراءة الصحف لدى المصريين" ، اندبندنت عربية، 3 مايو 2023، https://linksshortcut.com/HmZBc
[8] "عسكرة الكلمة".. قصة تحول الإعلام المصري لواجهات استخبارية" ، الجزيرة نت، 8 ديسمبر 2017 ، https://linksshortcut.com/rdyfv
[9] "لأزمات الاقتصادية الشغل الشاغل لهيئة الصحافة المصرية" ، العرب، 26 مايو 2022 ، https://linksshortcut.com/JPFCE
[10] "انخفاض الأجور وتحسين ظروف العمل" ، الجزيرة مباشر ، 3 مايو 2019 ، https://linksshortcut.com/ShDBJ
[11] ""»الصحفيين" توافق على توسيع استفادة المتعطلين عن العمل بإعانة البطالة" ، الأهرام ، 23 فبراير 2019 ، https://linksshortcut.com/fdenm