إقالات صادمة وخسائر فادحة.. لماذا استغنى إعلام "السيسي" عن ثلاثة من أبرز نجومه؟

الأربعاء - 30 يوليو 2025

إنسان للإعلام- تقرير:

بشكل مفاجئ، ورغم حاجة السلطة لمزيد من أبواقها الإعلامية بسبب تصاعد الهجوم عليها وتوسع الغضب الشعبي نتيجة الفشل في معالجة ملفات داخلية وخارجية، أطاحت شركة المخابرات (المتحدة للخدمات الإعلامية) المالكة لأغلب القنوات والصحف المصرية بثلاثة من ألمع نجومها وأكثرهم متابعة في برامج التوك شو، وأنهت عقودها معهم.

الثلاثة هم: لميس الحديدي، وإبراهيم عيسى، وخيري رمضان. أُبعدت الأولى لانتهاء دورها في دعم السلطة وقيامها في الآونة الأخيرة بتوجيه انتقادات للحكومة ووزير النقل بسبب حوادث الطرق. أما الثاني (عيسى) فبسبب هجومه على الدين وتصادمه مع مشاعر المصريين الدينية بمناقشة قضايا تعادي الأزهر وعلماءه وتناصر أجندة الإمارات. والثالث لأنه لم يعد يقدم جديدًا للسلطة، وبرنامجه ليس عليه إقبال.

وتزامن ذلك مع الحديث عن انتشار الفساد في شركة المخابرات، وانتشار أنباء في الكواليس بشأن الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والخسائر التي تكبدتها منذ 2016. وتُثار تساؤلات حول وقائع فساد بمليارات الجنيهات، وحجم رواتب مسؤولي الشركة الذين أُبعدوا، وعدم إعلان موازنتها، ودور 40 شركة تابعة لها، ومدى جدوى استمرارها، ولماذا لا تُطرح في البورصة، وأين تقارير الأجهزة الرقابية بشأن أرباحها وخسائرها، ومتى تمتلك مصر إعلامًا حقيقيًا.

عيسى: خالف تُعرف

قررت قناة "القاهرة والناس"، المملوكة لرجل الإعلانات الشهير طارق نور، والرئيس الحالي لشركة المخابرات المتحدة، إنهاء التعاقد مع الصحفي والإعلامي إبراهيم عيسى دون إعلان رسمي، في سياق تغييرات قالت إنها تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الإعلامي المرتبط بالشركة المتحدة، الذراع الإعلامية لجهاز المخابرات العامة المصرية.

جاء استبعاد عيسى متزامنًا مع توقف نشاطه في قناة "الحرة" الأميركية التي أُغلقت بقرار من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وقد أنشأ عيسى قناة خاصة به على موقع "يوتيوب" في 16 مايو الماضي، ليستفيد من عوائدها حال حققت مشاهدات قوية، ولجأ إلى بث فيديوهات تتضمن انتقادات لسياسات نظام السيسي ربما بالتوافق معه كنوع من التنفيس، بخلاف محتوى آخر ينتقد حماس ويدعم الاحتلال الصهيوني ضمنيًا لجذب المشاهدات، وفق قاعدة "خالف تُعرف".

إنهاء تعاقد  لميس

في 16 يوليو، أعلنت الشركة المتحدة إنهاء التعاقد مع لميس الحديدي، بعد خمس سنوات من العمل معها. وأُثيرت تكهنات بأن أحد أسباب الاستبعاد هو علاقة زوجها، عمرو أديب، المجنس سعوديًا، الذي بدأ في قناة "إم بي سي مصر" السعودية، وهاجم مسؤولي النظام المصري بطلب سعودي ضمن توتر متصاعد بين القاهرة والرياض.

رغم توتر العلاقات السياسية والمالية بين النظامين منذ سنوات، إلا أن الخلاف بلغ ذروته مع حملة إعلامية متبادلة نالت من رأسي النظامين. تحدث إعلاميون سعوديون عن نهاية حكم السيسي في 2026 ودخوله السجن، ورد إعلاميو السلطة المصرية بدعوات إلى "انقلاب" داخل الأسرة الحاكمة السعودية لعزل محمد بن سلمان.

تخمينات وتساؤلات أُثيرت حول تصاعد الخلاف بسبب توقف ابن سلمان عن "إغراق الجنرال السيسي بالرز"، واعتباره عبئًا على الخليج، بالإضافة إلى خلافات تتعلق بجزيرتي تيران وصنافير، وسماح الرياض ببناء قاعدة أميركية هناك، والتنافس على الزعامة الإقليمية.

إفلاس إعلامي أم مالي؟

في إفطار رمضاني مع الجيش، يوم 17 مارس 2025، أبدى السيسي امتعاضه من مسلسلات رمضان، واعتبرها لا تُمثل مصر. وفي 19 مارس، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن تشكيل مجموعة عمل لضبط الإعلام والدراما. بدورها، أعلنت الشركة المتحدة عن تشكيل لجنة لوضع خطط للمحتوى الإعلامي والدرامي.

الغريب أن السيسي نفسه هو من يشرف على إعلام المخابرات، ويُراجع سيناريوهات المسلسلات عبر أجهزة الأمن، بما فيها مكتبه. واعتبر محللون أن هجومه على الدراما إما تماهيًا مع انتقادات الشارع، أو زلة لسان تكشف فشل هذه الأعمال رغم الحصار الأمني، أو محاولة لإلصاق التهمة بقنوات سعودية، خاصة "إم بي سي مصر" التي عرضت مسلسل "معاوية" المثير للجدل.

التقديرات تشير إلى أن السبب الرئيسي للغضب الرسمي هو فشل الشركة المتحدة، وتعاظم خسائرها، وتحول الإعلام الرسمي إلى نسخة مكررة بلا تأثير، في ظل إنفاق ضخم تجاوز 3.5 مليار جنيه على إنتاج 40 مسلسلًا رمضانيًا العام الماضي، مع خسائر كبيرة وعزوف جماهيري.

نزيف أموال

في ديسمبر 2024، شاع الحديث عن اختلاسات بمليارات الجنيهات داخل الشركة، وتراجع المشاهدة والتوزيع. تردد أن الخسائر بلغت 20 مليار جنيه في عام واحد، وأن الخبير الإعلاني طارق نور أُحضر لقيادة الشركة بعد فشل إدارتها السابقة.

وتُظهر سجلات الشركة أن خسائرها امتدت من 2017 حتى 2020، ولم تحقق أرباحًا سوى في رمضان 2021. وقد شُكّلت إدارة جديدة ضمت طارق نور، إلى جانب تامر مرسي، ومحمد السعدي، وآخرين. وأثارت هذه التعيينات سخرية واسعة في الأوساط الإعلامية، إذ تم تسليم المؤسسة إلى رجل إعلانات لتغطية الخسائر بدلًا من إصلاح السياسات الإعلامية المنهارة.

المفارقة أن الجهات التي تسببت في انهيار الإعلام المصري، هي نفسها التي تُشكّل لجانًا لإصلاحه، وتعيد تدوير الأسماء نفسها رغم تاريخها في الدعاية والتضليل. وتُتهم السلطة بتحويل الإعلام إلى أداة دعائية بلا قيمة مهنية، مما أدى إلى انهيار الثقة والانفصال عن الشارع.

ما يجري داخل شركة المتحدة ليس سوى نموذج مصغر لفشل أكبر في إدارة الدولة عبر الأجهزة الأمنية، حيث يُستخدم الإعلام أداة للهيمنة والسيطرة بدلًا من كونه وسيلة للتنوير والمساءلة. ومع استمرار هذا النهج، ستتفاقم الخسائر، ليس فقط المادية، بل الأخطر منها: خسارة الجمهور، وانهيار ثقة المواطن في كل ما يُبث على الشاشات. وإذا لم يُفتح المجال لإعلام حر ومستقل، فإن النظام يحفر قبره بيديه عبر أجهزته الدعائية.