إدانة أممية لاستمرار حبس الصحفيين بمصر.. وتقرير يرصد "تجفيف منابع الحرية"
الخميس - 24 فبراير 2022
قالت منظمة "كوميتي فور جستس" إنها تمكنت من استصدار رأي من الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي في الأمم المتحدة بشأن حالة الصحافيين المصريين العاملين بشبكة "الجزيرة" الإخبارية هشام عبد العزيز غريب وبهاء الدين إبراهيم نعمة السيد.
وأوضحت المنظمة أن الرأي الأممي اعتمد على الشكوى المقدمة من خلالها حول الانتهاكات الحقوقية والإجراءات القضائية المعيبة التي تنتهك قواعد المحاكمة العادلة المعترف بها دولياً، التي تعرض لها كل من غريب والسيد خلال فترة احتجازهما المطولة
ولفتت إلى أن تلك الخطوة جاءت في إطار سعيها الدؤوب لرفع الظلم عن الضحايا، ومنع الانتهاكات الحقوقية ضد المواطنين في مصر، ومحاربة إفلات المسؤولين عنها من العقاب، وذلك من خلال فريقها المتخصص في التواصل مع الأمم المتحدة بآلياتها المختلفة.
وكانت المنظمة قد ذكرت في شكواها أن هشام عبد العزيز غريب، وهو مواطن مصري من مواليد 1977، متزوج وأب لثلاثة أطفال، وعمل كصحافي ومنتج لقناة "الجزيرة" في الدوحة، وقد ألقي القبض عليه في 20 يونيو/حزيران 2019
وذكرت أيضاً الصحافي بهاء الدين إبراهيم نعمة السيد، وهو مواطن مصري، ولد عام 1976، وكان يعيش في مدينة فيصل بالجيزة، ومتزوج وله طفلان، وعمل منتجاً لقناتي "الجزيرة" و"نايل تي في" العالمية، وعضواً في معهد الصحافة الدولي، وألقي القبض عليه في 22 فبراير/شباط 2020، أثناء محاولته العودة للدوحة من خلال مطار برج العرب الدولي.
من جهته، أوضح الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي بالأمم المتحدة، في مستهل رأيه، أن عبء دحض المعلومات التي أوردتها "كوميتي فور جستس" في شكواها يقع على عاتق السلطات المصرية، والتي لم ترد على تلك الادعاءات أو ترغب في ذلك حتى، مؤكداً تعرض الصحافي هشام غريب للاختفاء القسري لمدة 41 يوماً، كذلك تعرض الصحافي بهاء الدين السيد للاختفاء القسري هو الآخر لما يقارب الـ3 شهور (75 يوماً).
وأضاف الفريق الأممي أن الصحافيين وُضعا رهن الحبس الاحتياطي في غياب مراجعة قضائية لقانونيته، ما يشكل انتهاكاً للحق في المثول على وجه السرعة أمام سلطة قضائية، المنصوص عليها في المادة 9 (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث إن السلطات المصرية لم تبرز أمراً قضائياً وقت إلقاء القبض عليهما، كما لم يتم إبلاغهما بأسباب حرمانهما من الحرية أو التهم الموجهة إليهما.
كما شدد الفريق الأممي في رأيه على ضرورة أن يكون الحبس الاحتياطي هو الاستثناء وليس القاعدة، لذلك يجب قصره على أقصر وقت ممكن، وبالتالي يجب أن يستند الاحتجاز في انتظار المحاكمة إلى قرار بأنه معقول وضروري لأغراض مثل منع الهروب أو التدخل في الأدلة أو تكرار الجريمة، وهو ما لم يتحقق بحق غريب والسيد، حيث إنهما لم يمثلا على وجه السرعة أمام قاضٍ أثناء احتجازهما
وأكد الفريق العامل أيضاً أن احتجاز الأشخاص في أماكن سرية وغير معلنة ينتهك حق الطعن الفعلي في شرعية الاحتجاز أمام المحكمة، على النحو المنصوص عليه في المادة 9 (4) من العهد، وأنهما احتُجزا في أماكن غير معروفة لعائلتهما ومحاميهما لفترة طويلة من الزمن.
ورأى الفريق أن أي حرمان من الحرية يستتبع الرفض المتعمد للكشف عن مصير الأشخاص المعنيين أو مكان وجودهم أو الاعتراف باحتجازهم يفتقر إلى أي أساس قانوني سليم تحت أي ظرف من الظروف. في السياق الحالي، تعتبر حالات الاختفاء القسري التي تعرض لها الرجلان انتهاكاً للعديد من الأحكام الموضوعية والإجرائية للعهد وتشكل شكلاً من أشكال الاحتجاز التعسفي المشدد بشكل خاص.
كما أشار الفريق إلى أن احتجاز غريب والسيد جاء نتيجة لممارستهما مهنة الصحافة، ونُفذ في إطار حملة قمع على حرية التعبير في مصر، وأن هذه الممارسات تشكل انتهاكات للقانون الدولي في ما يتعلق بحماية وتعزيز الحق في حرية التعبير، حيث لاحظ الفريق أنه وجهت لهما تهمة نشر أخبار كاذبة، وعلى الرغم من إتاحة الفرصة للسلطات المصرية للقيام بالرد إلا أنها لم تقم بذلك، كم لم توضح لماذا استلزمت هذه التهمة فرض وتجديد الحبس الاحتياطي.
وأكد الفريق الأممي أيضاً على أن الرجلين حُرما من حقهما في محاكمة عادلة، بما في ذلك الحق في الاتصال بمحام سواء بعد القبض عليهما أو أثناء الاحتجاز، كما مُنعا من تلقي الزيارات العائلية، وأنه عندما سُمح بمثل هذه الزيارات، فقد خضعت لقيود عديدة، وأيضاً تعرضا للتعذيب ولغيره من ضروب سوء المعاملة من قبل السلطات بمصر لإكراههما على الاعتراف بالذنب وإهانتهما.
وخلص الفريق إلى أنه بناء على المعلومات الواردة، فإن السلطات في مصر أخفقت في وضع أساس قانوني لاحتجاز غريب والسيد، لذا فإن الاحتجاز بالتالي يعتبر تعسفياً ويندرج تحت إطار الفئات الأولى، والثالثة، والخامسة.
كما طالب الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي بالأمم المتحدة في ختام رأيه، السلطات المصرية باتخاذ الخطوات اللازمة لتصحيح وضع غريب والسيد دون تأخير وجعله متوافقاً مع المعايير الدولية ذات الصلة، كما رأى الفريق أنه مع مراعاة جميع ملابسات القضية، فإن سبيل الانتصاف المناسب هو الإفراج عنهما على الفور، ومنحهما حقاً واجب النفاذ في الحصول على تعويض وغير ذلك من سبل الجبر.
وحث الفريق الأممي السلطات في مصر على ضمان إجراء تحقيق كامل ومستقل في الظروف المحيطة بالاعتقالات التعسفية، ومعاملة غريب والسيد، واتخاذ التدابير المناسبة ضد المسؤولين عن انتهاك حقوقهما، ونشر هذا الرأي بجميع الوسائل المتاحة وعلى أوسع نطاق ممكن.
وفي السياق الحقوقي ، أكدت "مؤسّسة حرية الفكر والتعبير" المصرية في تقريرها لعام 2021، استمرار سلطات البلاد "في تجفيف منابع التعبير الحر، سواء في الفضاء العام التقليدي أو عبر الفضاء الإلكتروني"، ومواصلة انتهاك حقوق وحريات المواطنين الأساسية.
ورصد التقرير الذي حمل عنوان "تجفيف منابع الحرية... من الشارع إلى الإنترنت"، 6 قضايا على الأقل شملت 67 شخصاً خلال العام الماضي، بينها المحاكمة أمام محاكم استثنائية تصدر أحكاماً نهائية لا يمكن الطعن فيها أو استئنافها، إضافة إلى استمرار القبض على صحافيين وناشطين وسياسيين، على خلفية تأديتهم لعملهم أو تعبيرهم عن آرائهم عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ووثق التقرير قمع السلطات المصرية 3 دعوات على الأقل للاحتجاج، وإلقاء القبض أو احتجاز ما لا يقل عن 46 مواطناً على خلفية تلك الدعوات، وأغلبهم أخلي سبيلهم بعد مدد قصيرة.
وسلط الضوء على استمرار "التردي" في المشهد الصحافي والإعلامي عام 2021، ورصد ما لا يقل عن 40 انتهاكاً في هذا السياق، على رأسها إلقاء القبض على الصحافيين.
ولاحظ توجه السلطات المصرية التشريعية والتنفيذية والقضائية، خلال السنوات الأربع الماضية، إلى "اتخاذ مجموعة من الإجراءات والانتهاكات جميعها متعلقة باستخدام الإنترنت في التعبير، والهدف منها محاولة تطويقه والحد من التهديدات السياسية الناتجة من خلاله، عن طريق توجيه المستخدمين إلى خلق رقابة ذاتية تُشكَّل بنوع من الخوف نابع من التعرض لانتهاكات جسمية تتعدد وجوهها".
ووصف التقرير العام الماضي بأنه "مثال واضح على تكثيف الإجراءات القمعية ووضع مزيد من القيود على حق المواطنين في التعبير عن آرائهم في الفضاء الإلكتروني، إذ تتصدر الحقوق الرقمية قائمة الملفات الأكثر انتهاكاً بين ملفات حرية التعبير، للعام الثاني على التوالي، بواقع 70 انتهاكاً على الأقل.
وأضاف: "بعد تأميم المجال العام داخل الجامعات وإغلاق منافذ التعبير السلمية داخله واستعادة القبضة الأمنية على كافة تفاصيل الحياة الجامعية بداية بالنشاط الطلابي بمختلف أشكال ممارسته وصولاً إلى العمل الأكاديمي والبحثي، التفتت السلطات المصرية إلى الباحثين في الخارج الذين اعتبرتهم وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج نبيلة مكرم خطراً كبيراً على الأمن القومي المصري، وذلك نتيجة لسهولة تعرض هذه الشريحة لأفكار من تيارات وبلدان معادية للنظام المصري والدولة المصرية".
كما استمرت السلطات المصرية والجهات الفاعلة في المشهد الإبداعي في مصر في تقييد المبدعين والعمل الإبداعي، وسجلت المؤسسة ما لا يقل عن 21 واقعة ضد مبدعين اشتملت على 49 انتهاكاً مختلفاً.
وأوصت المؤسسة في ختام تقريرها بـ "مراجعة كافة قوائم المحبوسين احتياطيّاً، والإفراج عن كافة الحالات التي تتعرض للتعسف، على خلفية تعبيرهم عن آرائهم بصور مختلفة، ورفع الحجب عن المواقع الإلكترونية التي وصل عددها إلى 555 موقعاً ورابطاً جرى حجبها بداية من مايو/أيار عام 2017 إلى الآن".