أشرف الشربيني يكتب: نقاط ساخنة فوق حروف الهزيمة عن حرب 1967

الجمعة - 10 يونيو 2022

- أشرف الشربيني

برغم مرور خمسة وخمسين عاما على هزيمة يونيو 1967، الا أن كثيراً من أحداثها لازالت غامضة، وفى محاولة لفك هذا الغموض نشير الى  أربعة نقاط تأسيسية فى فهم ما حدث فى هذه الحرب:

النقطة الاولى: قرارات مايو التى أشعلت الحرب

ثلاثة قرارات أخذها عبد الناصر، بدت فى مجملها كأنها اعلان حرب على اسرائيل!!

  1.  سحب قوات المراقبة التابعة للأمم المتحدة المنتشرة على الحدود مع إسرائيل فى 16 مايو 1967، حيث علّق الجنرال ريكي قائد القوات الدولية في مذكراته على ذلك بقوله: (ان مصر قررت خوض الحرب)!
  2.  حشد القوات المصرية فى سيناء، بداية من 14 مايو، حيث بلغت فى 4 يونيو نحو 130 الف جندي وضابط، منهم 80.000 من قوات الاحتياط ، تم شحنهم الى سيناء بدون سلاح! وبدون تدريب! مما جعلهم عبئاً على الجيش المصرى! اذ أن أغلب قواتنا المسلحة كانت موجودة في اليمن!

والملفت للنظر ان الفريق صدقي محمود قائد سلاح الطيران أثناء حرب 67 ذكر أمام لجنة تقصّي الحقائق في سنة  ١٩٧٦، أنه لم يعلم ببلاغ التعبئة العامة الصادر في ١٤ مايو إلاّ من الصحف (سليمان مظهر- اعترافات قادة حرب يونيو: نصوص أمام لجنة تسجيل تاريخ الثورة)

حال قوات الاحتياط: ذكر عبد الفتاح أبو الفضل نائب رئيس الاستخبارات في مذكراته أنه عندما ذهب في ٢٤ مايو إلى مدينة القنطرة شرق لإلقاء كلمة تشجيعية في قوات الاحتياط فوجئ بهم في ملابس مدنية، ومعظمهم بجلاليبهم الريفية ويحملون بنادقهم وليس هناك أي زي عسكري، حيث شُحنوا في السكك الحديدية كالدواب!! (عبد الفتاح أبو الفضل - كنت نائباً لرئيس المخابرات)

  1.  إغلاق مضايق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية: فقد أعلنت إذاعة القاهرة فى 23 مايو إغلاق مضايق تيران المؤدية إلى خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية، وقد اعتبرت (اسرائيل) ذلك بمثابة إعلان حرب!

وقد أشار المهندس صدقي سليمان (حسبما روى السادات في كتابه البحث عن الذات) إلى أن إغلاق الخليج يعني الحرب.

ولم يكن المصريون يعلمون أن الملاحة في خليج العقبة مفتوحة امام السفن الإسرائيلية! طبقا لاتفاقية غير معلنة بين عبد الناصر وبين اسرئيل في 1957 ، انسحبت بمقتضاها اسرئيل من سيناء في مقابل السماح لها بالمرور من خليج العقبة!!

النقطة الثانية: الإصرار على تلقى الضربة الأولى

أصر عبد الناصر على تلقى القوات المصرية الضربة الأولى رغم اعتراضات بعض القادة العسكريين وعلى رأسهم الفريق أول صدقي محمود قائد القوات الجوية، وكانت حجة عبدالناصر بأنه لا يريد أن يستعدي الولايات المتحدة، وألا تظهر مصر امام العالم بأنها البادئة بالحرب على إسرائيل !

فكانت نتيجة الضربة الاولى تدمير اغلب الطائرات المصرية ، فكما يقول الفريق كمال حسن علي في كتابه «مشاوير العمر» انه لم تكن هناك « دشم وقائية حول الطائرات» ؟!!

ذكر الفريق صدقي محمود قائد سلاح الطيران في شهادته أمام لجنة تقصّي الحقائق في سنة  ١٩٧٦، أنه طلب تكراراً تمويلاً لبناء دُشم لحماية طائراته، لكن طلباته رُفضت لعدم توفر المال! وأضاف أنه قدّم في سنة ١٩٦٦ تقريراً أكد فيه أنه حتى إن تمت تلبية طلباته التمويلية كلها، فإن سلاح الطيران لن يكون مستعداً للقتال قبل سنة ١٩٧٠!!

فذبحت طائراتنا وهى رابضة على الارض! وصارت السماء مستباحة للطيران الاسرائيلى، مما أجبر القيادة على قرار الانسحاب، والذى كان وحده كارثة أخرى..

النقطة الثالثة: اختفاء قيادات الجبهة صباح يوم الحرب

ذكر أحمد المسلماني فى كتابه (مصر الكبرى) عن سعد الدين الشاذلى قوله (في يوم 4 يونيو 1967 هبطت طائرة الهيلكوبتر في مركز قيادتي وبها ضابط اتصال أخطرني بأن المشير عبد الحكيم عامر سيعقد مؤتمراً للقادة في الساعة الثامنة صباح الغد في مطار فايد، وفي حوالي الثامنة من صباح يوم 5 يونيو وبينما كان جميع القادة الميدانيين يتجمعون في مطار فايد بعيداً عن وحداتهم! انتظاراً لطائرة المشير، بدأت إسرائيل الحرب. فقُصف جميع المطارات ودمرت الطائرات وهي جاثمة على الأرض تماماً كما حدث في 1956!

النقطة الرابعة: سفر القائد العام لسيناء صباح يوم الحرب

ففى صباح يوم الحرب 5 يونيو 1967، قام عبد الحكيم عامر بالسفر الى مطار "بئر تمادا" بسيناء ومعه شمس بدران، فاستخدمت طائرات الهليكوبتر فى نقل جميع القادة من وحداتهم الى المطار ليكونوا فى استقبال المشير! وبطبيعة الحال تم تقييد سلاح الدفاع الجوى المصرى!! فصارت السماء مكشوفة لطيران العدو الاسرائيلى!!

كانت هذه الوقائع وحدها كافية لتقديم كامل القيادة السياسية والعسكرية للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى للدولة المصرية.. فقد كشفت أن الازمة لم تكن أزمة أفراد أو سياسات، بقدر ماكانت أزمة نظام كامل تأسس على المحسوبية والشللية والفساد السياسى والتسيب الادارى.. متزامناً مع القمع الشديد للتيارات الوطنية والقوى الشعبية!! مما أدى فى النهاية الى موت عشرات الالاف من جنود وضباط الجيش المصرى، بالاضافة الى الخسائر السياسية والجغرافية التى لازلنا نعانى منها الى الان..