"وثيقة القيم".. هل تنقذ الكويت من طوفان التغريب السعودي؟
الأربعاء - 7 ديسمبر 2022
- أثارت جدلا بين الإسلاميين والعلمانيين ووقع عليها 17 مرشحا نيابيا من 50
- مراقبون اعتبروا فوز المرشحين الموقعين على الوثيقة استفتاء شعبيا على قبولها
إنسان للإعلام- خاص
يوم 12 سبتمبر 2022، وقبل أسبوعين من انتخابات مجلس الأمة الكويتي التي أسفرت عن فوز 28 معارضا في البرلمان من عدد أعضائه الـ 50، دشن عدد من علماء الدين والشخصيات في الكويت "وثيقة القيم" التي أثارت جدلا حول توقيتها وأسبابها.
إعلان الوثيقة تم قبل أيام من انتخابات مجلس الأمة، وهو ما دفع مطلِقي الوثيقة، وهم من المحسوبين على التيار الإسلامي، إلى زيارة عدد من المرشحين للانتخابات لجمع توقيعاتهم وتعهداتهم بالالتزام بما جاء فيها، في حال وصولهم إلى البرلمان.
كانت المفاجأة الأكبر هي أن 17 من المرشحين لمجلس الأمة الكويتي، فازوا في الانتخابات، ما اعتبره مراقبون استفتاء شعبي آخر على الوثيقة بعدما أثارت جدالا بين الرافضين لها، والذين زعموا أنها تصادر الحريات وتخلط الدين بالسياسة.
صاحب الوثيقة هو المواطن الكويتي النشط عبر الإنترنت عبد الرحمن النصار، وقد أعلن عنها في 2 سبتمبر 2022 بعد عدة دعوات عبر حسابه في تويتر الذي يتابعه أكثر من 300 ألف شخص للاهتمام بـ"الثوابت والقيم".
وقال النصار إنه وآخرين معه خصصوا ديواناً للتوقيع على الوثيقة في كل دائرة انتخابية مشجعاً المرشحين على سرعة التوقيع عليها.
و أكد النصار، في تصريح لـجريدة «الرأي» الكويتية، مطلع أكتوبر 2022 فوز 17 نائباً من الموقعين على «وثيقة القِيم»، ذكر أسماءهم، "بينهم 14 توقيعاً و3 عبر الاتصال". (تويتر)
وأكد "النصار" لموقع "بي بي سي" 12 سبتمبر 2022 أن الوثيقة حصلت "على تأييد 844 ديوانية من مختلف دوائر الكويت"، وذلك من بين أكثر من 7 آلاف ديوانية في الكويت.
و"الديوانية" من أهم وأبرز ملامح الحياة الاجتماعية والسياسية في الكويت حيث تجتمع شتى أطياف المجتمع للتشاور والنقاش حول شتى الهموم والقضايا، وتوصف ديوانيات الكويت بأنها "برلمانات مُصغرة"، و"مطبخ السياسية الكويتية".
عقب الانتخابات استمر الجدل، وقال مؤيدون للوثيقة إنها تدعو إلى "الحفاظ على القيم الكويتية" و"مكافحة دعوات التغريب"، بينما يرى منتقدوها أنها "مخالفة للدستور" و"محاولة لسيطرة الإسلاميين على الرأي العام والحكومة معا".
12 بندا
تشمل "وثيقة القيم" 12 بندا تدعو إلى الالتزام بالقيم والتقاليد الإسلامية وتقنين ذلك. ومن أبرزها: "العمل على تطبيق قانون منع الاختلاط"، و"رفض المهرجانات الهابطة"، و"رفض المسابح والنوادي المختلطة"، و"تفعيل قانون اللباس المحتشم"، و"العمل على وقف الابتذال الأخلاقي"
كما حضت المرشح الذي يصل إلى مجلس الأمة على "تعديل قانون التشبه بالجنس الآخر" وعلى "تطبيق قانون تجريم الوشوم الظاهرة على الجسد"
ودعت بنود الوثيقة المرشحين الموقعين عليها إلى "التصريح بشكل معلن عبر مواقع التواصل، رفضهم للتجاوزات الأخلاقية مع استخدام الأدوات الدستورية المناسبة"، وإلى "فتح خط ساخن مع معدي الوثيقة ليتواصلوا معهم أولاً بأول عما يقع من مخالفات شرعية وأخلاقية"
وكانت المحكمة الدستورية في الكويت قد قضت، في فبراير 2022، بعدم دستورية المادة 198 من قانون الجزاء، المتعلقة بتجريم " التشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور"، والتي طالما طالبت الجمعيات الحقوقية بإلغائها لانتهاكها حق العبور الجنسي، واستغلالها ذريعةً لإساءة معاملة العابرين/ ات جنسياً في البلد الخليجي.
المعارضون خسروا
وقد حاول التياران الليبرالي والنسوي تفنيد تلك الوثيقة أمام الرأي العام عبر منابرهما الإعلامية، ورفضها لكن مرشحيهم خسروا في الانتخابات.
وتركزت أهم نقاط الجدال الدائر حول تعريف مصطلح "القيم"، وما إذا كانت مرجعية تلك القيم "دينية إسلامية" أم "دستورية وقانونية" أم "الاثنتين معا".
وقد أزعج فوز 17 نائبا وقعوا على العريضة في الانتخابات الأخير الإعلام الغربي، بعدما أطلقها عدد من رجال الدين والشخصيات في الكويت، ودعوا مرشحي الانتخابات البرلمانية للتوقيع عليها.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس 30 سبتمبر 2022 عن "كريستين سميث ديوان"، الباحثة في معهد دول الخليج العربية بواشنطن زعمها أن هؤلاء النواب "المحافظون"، الذين حققوا نتائج جيدة، قد يعرقلون الإصلاح!
أشارت إلى أن 17 نائباً منتخباً وقعوا الوثيقة التي تدعو إلى الفصل بين الجنسين في المدارس الكويتية وحظر حفلات الرقص المختلطة، معبرة عن خشيتها أن يؤجج هؤلاء النواب "الاستقطاب" في المجتمع الكويتي!
بالمقابل أشاد بها كويتيون عبر مواقع التواصل وألمح بعضهم؛ لأنها ستعصم الكويت من السقوط في "ترفيه" السعودية الذي بدأ يتسرب لكل دول الخليج ومنها الكويت في صورة مشاريع ترفيهيه تتضمن ممارسات لا تتفق مع التقاليد والعادات الاسلامية.
ويقول الداعون إلى تبني الوثيقة إنها تستند إلى "مبادئ شرعية مستمدة من هوية إسلامية"
واعتبر المرشح فهد محمد المهمّل، أحد الموقعين على الوثيقة، أن توقيعه يأتي "إيماناً منه بأن الثوابت الإسلامية هي قَاعده تُبنى عليها التشريعات والقوانين .. وهي القيم والثوابت التي تُمثل الهوية الوطنية".
وقال رجل الدين البارز في الكويت، عثمان الخميس، في مقطع فيديو تداوله مغردون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنه "اطلع على وثيقة القيم ولم يجد ما يخالف الشرع ولا قوانين البلاد"
واستغرب فهيد محسن الديحاني، المرشح لمجلس الأمة "الهجوم على وثيقة القيم"، وعدد المواد الدستورية التي تتطابق حسب قوله مع بنود الوثيقة.
إعلان الوثيقة وبنودها شغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الكويت وقسمهم بين مؤيد ومعارض.
واستخدم المغردون وسم #وثيقة_القيم لإبداء مواقفهم من الوثيقة، وتباينت وجهات نظر المؤيدين والمنتقدين، كل بحسب موقفه ومنظوره إزاء عدد من القضايا.
كما أطلق معارضو الوثيقة وسم #وثيقة_قندهار، وشبهوا آراء الداعين لها "بالمواقف المتشددة والمقيدة للحريات وللمرأة التي اتخذتها حركة طالبان بعد توليها الحكم"، على حد تعبيرهم.
وهاجم الصحفي داهم القحطاني المعترضين على الوثيقة ومن وصفوها بأنها "#وثيقة_قندهار"، ووصفهم بأنهم من "المتطرفين الذين لا يعرفون من الديمقراطية وحريتها سوى القشور"
وتركزت أهم نقاط الجدال الدائر حول القضايا التالية:
- تعريف مصطلح "القيم"، وما إذا كانت مرجعية تلك القيم "دينية إسلامية" أم "دستورية وقانونية" أم "الاثنتين معا".
- توافق أو تعارض ما جاء في الوثيقة مع الدستور الكويتي ومع الحريات التي يكفلها، ومع حق الاختلاف في الرأي وحرية الدين.
- أولويات مرشحي وأعضاء مجلس الأمة، على اختلاف توجهاتهم، إزاء المواطنين الذين يمثلونهم، وحدود استقلاليتهم والسلطات الممنوحة لهم.
- التضارب في المصالح والآراء بين مؤيدي كل من التيارين "الإسلامي" و"الليبرالي"، فأولهما يرى في الوثيقة "مشروعا سياسيا" بينما يجد الثاني فيها "وصاية دينية"
- التعارض بين أفكار الوثيقة المقترحة وبين التنوع في هويات المقيمين في الكويت، سواء كانوا كويتيين أو وافدين أو زائرين أو حتى من "البدون"