"كبدة الإختيار".. جشع الجنرالات يهدم بطولات المسلسلات المزيفة

الجمعة - 9 سبتمبر 2022

  • "لوموند ديبلوماتيك":  "الجيش المصري أصبح في عهد السيسسي شرِهًا نهِمًا جشِعًا"
  • "فايننشيال تايمز": البيزنس المجنون للجيش وصل إلى 110 مليارات جنيه عام 2021
  • توسع سرطاني للاقتصاد العسكري على حساب " العام والخاص" ورفاهية المصريين
  • جهاز مشاريع الخدمة الوطنية يسيطر على 32 شركة تم إنشاء ثلثها بعد عام 2015

إنسان للإعلام- خاص

بالتزامن مع غلق أشهر مطعم كبده في مصر (البرنس) بدعوى وجود مخالفات قديمة تتعلق بوضع طاولات الطعام في الشارع، أعلن منفذ بيع منتجات الجيش بمدينة نصر عن افتتاح مطعم "كبده الاختيار" !! 

وجاءت تسميته على اسم مسلسل "الاختيار" الذي أنتجته الشركة المتحدة التابعة للمخابرات المصرية، التي يقودها اللواء عباس كامل، ومحمود نجل عبد الفتاح السيسي، وهو منفذ بيع تابع للجيش.

لم تمر ساعات حتى تم منع الإعلان عن كبدة الاختيار بل وغلق الصفحة تماما علي فيس بوك بعد موجة كبيرة من السخرية الواسعة بين المصريين وسخرية مواقع التواصل من "خير أكباد الأرض".

ووصف السياسي عمرو عبدالهادي الجيش المصري بأنهم "خير كبدجية الأرض"، واستخف بسياستهم قائلا: "مكنتش هصدق إلا لما دخلت الصفحة وشفت إعلانات كبدة الاختيار.. الاختيار 2022 طلع مسلسل إنما الحمد لله إن الاختيار 2023 طلع كبدة"

أخطر ما تسبب فيه الاعلان عن هذا المطعم وتسميته باسم المسلسل الشهير الذي يرصد بطولات السيسي وجنرالاته الوهمية خلال الانقلاب علي الرئيس الشرعي محمد مرسي وأول تجربة ديمقراطية مصرية، أنه هدم جشع جنرالات الجيش وبطولات مسلسلات الاختيار المزيفة وأساء لصورة الجيش ككل وأبرز حجم بيزنس الجنرالات المتوحش.

وظيفة الجيش وسمعته

وطرح الاستشاري في الإدارة الإستراتيجية والعلاقات العامة وعضو حزب الحرية والعدالة مراد علي، تساؤلين هما: "ما شعور مخرج وممثلي مسلسل الاختيار وهم يرون القوات المسلحة تضع اسم مسلسلهم الذي صرفوا عليه مئات الملايين على محلات الكبدة؟"

وأشارت ياسمين محمد إلى أن كبدة الاختيار من عند البرنس ولبن جهينة من عند صفوان ثابت والملابس من عند السويركي والخضار من الفلاحين، لافتة إلى أن القوات المسلحة باعت الأرض والمياه.

تعليقات المصريين الساخرة كانت متوجعة أيضا من حجم الهوان الذي حول السيسي الجيش له، وبدلا من الدفاع عن أمن مصر والتصدي لسد النهضة أو حماية مصر حوله الي متاجر وبيزنس يعمل فيه جنود الجيش بالسخرة مجانا لينافسوا وزارات الزراعة والتجارة والصناعة والتموين والقطاع الخاص ببيزنس جشع يملاء جيوب الضباط الكبار بالاموال.

 مصريون كتبوا يقولون: "كبدة القوات المسلحة التي تُشعرك بالانتماء والحنين للوطن، ياله من عار والله"

وكتب آخرون: "تعلن الكلية الحربية عن قبول دفعة جديدة للتأهيل كضابط مشويات كبده وكلاوي في منفذ بيع منتجات القوات المسلحة بمطعم "كبدة الاختيار" بمدينة نصر وفنادق القوات المسلحة.

وقال مصريون ساخرون: بعد "كبدة الاختيار" بمنفذ القوات المسلحة بمدينة نصر، هل نفهم من ذلك أن منفذ امبابة سيشهد افتتاح "كبدة الاختيار" ايضاً لتبرير اغلاق "كبدة البرنس" بالمنطقة قبل أيام؟!

انتقدوا انتقال الجيش وجنوده من بيع الخضار إلى تربية الماشية والاستزراع السمكي وإنتاج المخبوزات مرورا باحتكار السكر ولبن الأطفال، وتحويله في عهد عبد الفتاح السيسي إلى كيان اقتصادي ربحي يزاحم المدنيين في مشاريعهم.

وأرجع ناشطون إغلاق مطعم البرنس لتمهيد النظام لافتتاح مطعم كبدة الاختيار التابع للجيش، مستنكرين استمرار المجلس العسكري في بناء إمبراطورية اقتصادية ضخمة له على حساب المدنيين في قالب "خدمة المجتمع"

وانتقدوا إصرار الجيش على تجاهل دوره التقليدي ومهامه الأساسية في حماية حدود البلاد وتأمينها والتطوير العسكري والتقني والتأهب الدائم والمستمر لصد أي عدوان محتمل، وتركيز مهامه على الانخراط في المشاريع الاقتصادية الربحية.

وذكر ناشطون أن القوات المسلحة والمؤسسات الأمنية معفية من سداد الضرائب بموجب قانون صدر في 2016 ينص على ألا تدفع ضريبة القيمة المضافة على السلع والمعدات والآلات والخدمات والمواد الخام اللازمة لأغراض التسلح والدفاع والأمن القومي.

وانتقد ناشطون تباطؤ الإنجازات العسكرية المصرية وتجاهل الأزمات الحقيقية التي تستوجب تدخل الجيش عسكريا لحسمها مثل قضية سد النهضة في حين يركز إنجازاته على المشاريع والاستثمارات.

جشع طال كل شئ

في أغسطس 2020 لخصت مجلة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية في تقرير بعنوان" جشع الجيش" ما يقال حول بيزنس الجيش المتغول على اقتصاد المصري، محذرة من أن "الجيش المصري أصبح في عهد السيسسي جيشا شرِهًا نهِمًا جشِعًا"

لوموند قالت إنه "منذ وصول الفريق عبد الفتاح السيسي إلى السلطة سنة 2013، انخرط الجيش المصري في عملية توسع اقتصادي يبدو أنها بلا حدود، حيث ينفذ الجيش برنامجا واسعا لتنويع أنشطته، وأضحى يشرف على آلاف الانشطة ويستأثر بالصفقات العمومية على حساب مؤسسات تابعة للدولة ومؤسسات خاصة.

قالت إن بيزنس الجيش المصري ونفوذه قد ازدادا عشرة أضعاف منذ تولي السيسي وأن هذا النشاط الموسع للجيش لا يفيد الشعب المصري في شيء لأنه بيزنس و"هذا الحضور الجارف للنشاط الاقتصادي العسكري، لا يجني البلد من ورائه أي شيء"، مشيره لان أنشطة الجيش في مجالات مثل اللحوم والخبز، والأسمنت، والأنفورماتيك، والسَمَكٌ، "أنشطة تبدو بعيدة عن اهتمامات الجيوش النظامية".

هذا "البيزنس المجنون" للجيش منذ تغوله على الاقتصاد المصري عقب انقلاب عام 2013، قدرته صحيفة "فايننشيال تايمز" 5 يونيو 2021 بـ110 مليارات جنيه سنويا، وفق أرقام 2019 فقط، والذي تزايد في العامين الماضيين.

صورت دراسة للصحيفة ما يحدث في مصر على أنه "توسع سرطاني للاقتصاد العسكري" على حساب القطاعين العام والخاص ورفاهية المصريين المدنيين.

ونقلت عن الباحث في مركز كارنيغي، يزيد صايغ، تأكيده أن الكيانات الاقتصادية المرتبطة بالجيش حققت أرباحا عام 2019 فقط وصلت 7 مليارات دولار (قرابة 110 مليارات جنيه).

وأكدت أنه لهذا يدافع الجيش عن هذه المداخيل المالية مهما كان الثمن ويتوسع فيها.

ويجعل الافتقار إلى الشفافية من الصعب تحديد حجم الدور الاقتصادي للجيش، ففي يونيو/حزيران 2021 قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي: إن مصر أنجزت مشروعات بقيمة 4.5 تريليون جنيه (287 مليار دولار) في 6 سنوات.

وعقب قائد الهيئة الهندسية للجيش، إيهاب الفار، قائلا: إن هذه الأموال أنفقت على 20 ألف مشروع، مضيفا أن الجيش استثمر 1.1 تريليون في 2800 مشروع.

وبحسب "فايننشيال تايمز" هناك 60 شركة تابعة لكيانات عسكرية مصرية تعمل في 19 من 24 صناعة من معايير تصنيف الصناعة العالمية، وفقا لتقرير البنك الدولي.

كما يسيطر جهاز مشاريع الخدمة الوطنية التابع للجيش على 32 شركة، تم إنشاء ثلثها بعد عام 2015.

وتقول دراسة لمعهد كارنيغي للأبحاث عن "توسيع الاقتصاد العسكري في مصر" نشرت في 26 مارس 2020: إنه في عهد السيسي، زادت إمبراطورية الجيش الاقتصادية، وأصبح يعمل الآن في تجارة الألبان والأدوية ووسائل النقل وكل شيء.

وأوضحت أن الجيش أصبح يشرف على نحو 2300 مشروع، يعمل بها 5 ملايين موظف مدني، في مجال الصناعات الثقيلة والمتخصصة، وقطاعات الزراعة، والمزارع السمكية، والمحاجر والمناجم، والمقاولات، والبنية التحتية وغيرها.

وأكد هذه الأرقام المتحدث العسكري العقيد تامر الرفاعي في لقاء مع عمرو أديب في 3 سبتمبر 2019 وحديث المتحدث العسكري عن أن الجيش يشرف على 2300 مشروع يعمل فيها 5 ملايين مدني معناه أن الجيش يتحكم في 20 بالمئة من الاقتصاد المصري آنذاك.

وتشير دراسة كارنيغي السابقة إلى أن إصرار السيسي على طرح مشروعات الجيش في الاكتتاب العام للبورصة، رغم صعوبة ذلك، "يرجع لرغبته في غسل سمعة المؤسسة العسكرية، وتبرئة ساحتها من اتهامات الفساد وإهدار المال العام، والسيطرة غير الخاضعة للمساءلة على اقتصاد الدولة".

إعادة تزوير التاريخ

وعقب بث مسلسل الاختيار 3 في رمضان الماضي قالت صحيفة النيويورك تايمز إن السيسي يعيد "كتابة التاريخ الحديث من خلال تزويره وتحويله لتمجيد حكمه" يعني الحكاية إجبار لا اختيار"! لكن كل هذا انهار بعد كبدة الاختيار.

قالت: حوّل السيسي مصر إلى بلد يفرض فيه "الخوف والصمت سجنت الحكومة النقاد الكبار والصغار وجرّمت الاحتجاجات وكمّمت أفواه الصحافة، مما أدى إلى خنق كل المعارضة السياسية تقريبًا"

لخصت الصحيفة الأميركية حكم السيسي بقولها: "استولى الجيش، بقيادة السيسي وزير الدفاع، على السلطة، وقتل ما يقرب من 1000 شخص في يوم واحد في أغسطس 2013 في اعتصام نظمه المتظاهرون المؤيدون لمرسي للاحتجاج

قالت إن الفنانين الذين يرفضون الإذعان لسلطة المخابرات، يتعرضون بحسب الصحيفة لحملات تشهير بأنهم "متعاطفون مع الإخوان" من خلال وسائل الإعلام المرتبطة بالدولة، ويمنعون من العمل في مصر مرة أخرى.

"المسلسل بعيد عن الحقيقة، ويعيد كتابة التاريخ من خلال تملق الرئيس وشيطنة خصومه"، وفقا لتقرير صحيفة نيويورك تايمز.

وخلال ما يقرب من عقد من الزمان، حسب "نيويورك تايمز"، أنهى نظام السيسي تسامح مصر مع بعض الجدل السياسي وصولا إلى خنق كل المعارضة السياسية تقريبًا.

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن المسلسل صور السيسي "بطلا" والإخوان المسلمين "كأشرار" وتم تصوير قيادات الإخوان على أنهم متآمرون بعضهم يتصفون بالمهارة مزورا الحقائق وأن الحقيقة وفق بلال فضل، أن "العدو الحقيقي للدولة المصرية الآن هو أي شخص يقف ضد السلطة".