"غاز المتوسط".. هل يشعل حربا بين التكتلات الإقليمية المتصارعة؟

الاثنين - 26 ديسمبر 2022

ترجمات مركز إنسان للإعلام- خاص:

تشهد منطقة شرق المتوسط في السنوات الأخيرة تطوّرات مهمة، بالترافق مع تصاعد التنافس الإقليمي والدولي فيها. وهذا الاهتمام المتصاعد لا يعبر عن دوافع جيوسياسية فحسب، بل يترافق مع صعود البعد (الجيواقتصادي) على أجندة الفاعلين الإقليميين والدوليين، وتحوله إلى عامل مهم في تشكيل التقاربات والاصطفافات أو شرعنتها، خاصة مع تصدر الحديث عن اكتشافات الغاز الطبيعي وإمكانيات استثمار هذه الاكتشافات في أجندة حكومات دول المنطقة.

وقبل نحو أسبوعين، اتخذت مصر قرارا أحاديا بترسيم حدودها البحرية الغربية، قال الخبراء إنه يؤدي إلى احتلال أجزاء من المياه الخاصة بليبيا، ويقتطع جزءا من حدودها البحرية.

القرار، الذي نشر في الجريدة الرسمية المصرية يوم 11 ديسمبر 2022 بتوقيع السيسي، أحدث ردود فعل غاضبة لدى حكومتي ليبيا (الوحدة الوطنية في طرابلس/ والمعينة من البرلمان في طبرق)، إذ دعت الحكومتان الليبيتان القاهرة إلى عدم اتخاذ خطوات أحادية في ترسيم الحدود البحرية، وأبدتا -في بيانات منفصلة- استعدادهما للتفاوض الثنائي بما يخدم المصالح المشتركة، في حين اعتبرته اليونان "نصرا كبيرا" لخططها في الشراكة مع مصر، باعتبار أنهما لا تعترفان بترسيم الحدود التركية الليبية.

وفيما رحّبت اليونان بالخطوة، اكتفت تركيا بدعوة مصر وليبيا إلى إطلاق حوار ومفاوضات بأسرع وقت لتحديد حدود البلدين البحرية، وفق القانون الدولي، ونقلت وكالة الأناضول عن مصادر دبلوماسية أن "الحدود البحرية الجانبية التي حددتها مصر من جانب واحد مع ليبيا بـ9 إحداثيات جغرافية، لا تتداخل مع الجرف القاري لتركيا في شرق البحر المتوسط".

سرقة الغاز الليبي

وجاء القرار، والاشتباك الإقليمي معه، بعد نحو شهرين من اتفاقية وقعتها أنقرة وطرابلس للتنقيب عن النفط والغاز، تعد مكملة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين أواخر 2019.

وتأتي الخطوة المصرية بعد أيام فقط، من إعلان اليونان تعاقدها مع شركات دولية، من أجل أعمال البحث والتنقيب عن النفط والغاز في منطقة بحرية "متنازع عليها" مع ليبيا.

ويمثل تحديد الحدود البحرية لكل من اليونان ومصر في البحر المتوسط خطوة أولى نحو طرح هذه المناطق أمام شركات النفط والغاز العالمية للتنقيب عن النفط والغاز في أماكن جديدة.

 ويرى مراقبون أن توسيع القاهرة حدودها البحرية على حساب ليبيا في منطقة يعتقد أنها غنية باحتياطات الغاز الطبيعي، يمثل فرصة لاكتشاف حقول جديدة للغاز تسهم في زيادة الناتج القومي المصري، وهو ما يعني عمليا "سرقة غاز ليبيا"، لتعويض خسائر مصر من اتفاقاتها المجحفة مع شركة إيني الإيطالية في حقول غاز المتوسط المصرية، وأشهرها حقل ظهر، والتي لا تحصل مصر على أكثر من 20% من عائداتها.

وكانت مصر ضيعت فرصا اقتصادية هائلة بتنازلها عن حقلي الغاز المتلاصقين، لڤياثان (الذي اكتشفته إسرائيل في 2010) وأفروديت (الذي اكتشفته قبرص في 2011) باحتياطيات تُقدر قيمتها قرابة 200 مليار دولار، وهما يقعان في المياه المصرية (الاقتصادية الخالصة)، على بعد 190 كم شمال دمياط، بينما يبعدان 235 كم من حيفا و 180 كم من ليماسول.

حروب متوقعة

حروب الطاقة ربما تشتعل بين دول المتوسط، وستكون مصر طرفا أصيلا فيها كونها تملك حدودا ممتدة على البحر المتوسط تصل إلى نحو 1000 كيلومتر، يضاف إلى ذلك ان المياه الإقليمية المصرية القريبة من مصب النيل هي المنطقة الأغنى بالطاقة في البحر المتوسط.

الخبير المصري في العلاقات الدولية والأمن القومي، اللواء محمد عبد الواحد، قال لموقع "الجزيرة نت": "من المنتظر، بعد مخاطبة الأمم المتحدة للحصول على الشرعية الدولية للترسيم (التصديق على قرار السيسي الأحادي)، إجراء عمليات تنقيب بحُرّية كاملة داخل الحدود الإقليمية.

وأوضح أن لمصر إستراتيجية طويلة الأمد قد تصل إلى عام 2040 لتحقيق أهداف معظمها اقتصادية متعلقة بالطاقة، تبدأ مرحلتها الأولى بالاستغناء عن استيراد الطاقة والاعتماد الذاتي، ومن الفائض تصدر إلى أوروبا، وصولا إلى أن تكون مركزًا إقليميًا للطاقة.

ولفت إلى تشجيع الشركات العالمية على الاستكشافات الجديدة لتحقيق أهداف مصر من حفر 45 بئرًا في السنوات الثلاث المقبلة، معظمها في البحر المتوسط. ويعتقد عبد الواحد حصول القرار على الشرعية الدولية، كونه يمثل امتدادًا للخطوط البرية بين مصر وليبيا، ويتوافق مع القانون الدولي.

تركيا، التي تسعى لأن تكون مركزا لتصدير الغاز في منطقة المتوسط وأوروبا، بالاتفاق مع روسيا، لها رأي آخر، إذ ترى أن الاتفاقيات المصرية بخصوص المتوسط منذ عام 2003، تتسم "بالهجومية غير العادلة"، حيث تصب في مصلحة اليونان وقبرص اليونانية، في الوقت الذي تتمتع فيه مصر بموقع جيوبولتيكي قوي جداً.

يقول خبراء أتراك: "في 6 أغسطس 2020 وقعت اليونان إتفاقية ترسيم حدود مع مصر خسرت مصر بموجبها مصر 6500 كم مربع من مياهها الإقليمية وكأن مصر أداة بيد اليونان الاستعمارية"

أضافوا:"يجب على تركيا إعلان المنطقة الاقتصادية الخالصة بسرعة في شرق البحر المتوسط، بناءً على النموذج المصري الأحادي الذي يمكن أن يكون مثالًا لتركيا".

تكتلات بدوافع اقتصادية

وبدأ الاهتمام بمنطقة شرق المتوسط باعتبارها منطقة غنية بالنفط والغاز في أواخر القرن العشرين، ويقدر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأمريكية عام 2010 وجود 3455 مليار متر مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل من النفط في هذه المنطقة، تتراوح قيمتها ما بين 700 مليار دولار و3 تريليونات دولار على حسب أسعار الخام المتغيرة.

وبخلاف الثروة الطبيعية، تمثل هذه المنطقة أبرز نقاط عبور البترول والغاز من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، إذ أنها تطل على ثلاث قارات.

وتدير عمليات التنقيب في شرق المتوسط شركات إيطالية وفرنسية وأمريكية وروسية، وهذا ما يضع دول هذه الشركات داخل دائرة التنافس الاقتصادي على الآبار المكتشفة.

وفي مطلع أغسطس 2020، وقعت مصر واليونان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما، ما يقطع الطريق على الآمال التركية في غاز المتوسط ونفطه، كما قال الباحث في الشأن السياسي هيثم محمد، حينها، لإذاعة "بى بى سى".

وقد وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تلك الاتفاقية بـ "عديمة القيمة"، كما أعلنت الخارجية التركية أن الاتفاقية تنتهك الجرف القاري التركي، وبعدها أرسلت تركيا سفنها للتنقيب قرب الجزر اليونانية.

وتعد الاتفاقية بين مصر واليونان، امتدادا لمنتدى شرق البحر الأبيض المتوسط الذي يستنثي تركيا. وقد شُكل هذا المنتدى ومقره القاهرة، في يناير 2019 ، ليضم وزراء الطاقة في دول شرق المتوسط: مصر وفلسطين والأردن وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا.

ومنذ تأسيسه أبدى المنتدى ترحيبه بمشروعين مازالا قيد التنفيذ: الأول، التصدير المشترك للغاز المسال المصري والقبرصي والإسرائيلي من محطات تسييل الغاز المصرية للسوق الأوروبية. وكذلك تشييد خط أنابيب بحري للغاز يبدأ من حيفا فقبرص واليونان وحتى إيطاليا مستقبلاً. ودعمت السوق الأوروبية دراسات هذا المشروع الذي تبلغ تكلفته نحو سبعة مليارات دولار.

وفيما يبدو ردا على استثناء تركيا، وقعت تركيا وحكومة الوفاق الليبية - المعترف بها دوليا- في نوفمبر 2019، اتفاقاً يؤسس لمنطقة اقتصادية تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا حتى شمال شرق ليبيا. وقالت مصر حينها: إن هذا الاتفاق غير قانوني، كما اعترضت اليونان عليه إذ لم يأخذ في الاعتبار وقوع جزيرة كريت اليونانية في المنطقة.

وبالنظر للتطور الجديد بترسيم مصر حدودها البحرية مع ليبيا بشكل أحادي، مع التراكمات القديمة المتعلقة باتفاقات مصر واليونان،  تتلخص المنافسة على الغاز والنفط فى شرق المتوسط بين تكتلين: الأول يضم إسرائيل مع الدول العربية وقبرص واليونان، ويفرض سيطرته على ثلاثة حقول مركزية، والثاني والحديث نسبياً يضم تركيا مع ليبيا، ويبدو أن التكتل الأول يمضي بخطوات أسرع لقطع طريق التكتل الثاني وفق "بى بى سى".

ويرى الباحث في الشأن السياسي، هيثم محمد، أن المنطقة ستدخل في حرب باردة تشهد معارك اقتصادية وإعلامية وسياسية، وربما تدخل وكلاء محليين في الشأن الداخلي للدول. وقد نشهد انتقال الصراع لمناطق جديدة مثل اليمن أو الصومال أو قيام كل طرف إقليمي بتحسين موقعه عبر إقامة قواعد وموانىء على خط طرق التجارة البحرية الدولية.

المصادر:

- ماذا وراء تحديد مصر حدودها البحرية مع ليبيا؟ وكالة الأناضول، 21 ديسمبر 2022، https://bit.ly/3jqudKT

- خطوة مصرية لإنشاء منطقة اقتصادية خالصة، صحيفة«أيدنلك» التركية، 16 ديسمبر 2022، https://bit.ly/3WgsQwR

- استغلال جائحة الانتقال من اليونان إلى مصر، فيديو على يوتيوب، منصة ترك ديجز،

 https://bit.ly/3vccEAU

- أثارت جدلا إقليميا والسر في الغاز.. لماذا قررت مصر منفردة ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا؟، الجزيرة نت، 20 ديسمبر 2022، https://bit.ly/3WG0YSX

- ترسيم مصر حدودها البحرية مع ليبيا.. ما انعكاساته على التقارب بين أنقرة والقاهرة؟، ترك برس، 21 ديسمبر 2022، https://www.turkpress.co/node/95367

- شرق المتوسط: هل هناك احتمال لنشوب حرب في المنطقة من أجل الغاز والنفط ؟، بى بى سى عربي، 31 أغسطس 2020، https://www.bbc.com/arabic/middleeast-53897922

- الصراع على الطاقة في شرق المتوسِّط بين الاقتصادي والسياسي، منتدى السياسات العربية،

https://bit.ly/3hMf3iQ