"سلامه": السيسي كان يعي تماماً عواقب توقيعه على اتفاقية سد النهضة

الأحد - 18 أبريل 2021

تحت عنوان "الحقيقة الغائبة في أزمة السد الإثيوبي"، كتب عبد الناصر سلامة، رئيس تحرير الأهرام سابقا، مقالا بموقع "الجزيرة مباشر، جاء فيه: " في ٣ /٧ /٢٠١٣ كانت الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، ثم في ٥ /٧ /٢٠١٣ أي بعد يومين مباشرةً، صدر قرار الاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية مصر، على اعتبار أن ماحدث كان انقلاباً على الشرعية، ثم في ٨ /٦ /٢٠١٤ أي بعد أقل من عام، أدى الرئيس عبدالفتاح السيسي اليمين رئيساً للجمهورية، ثم بعد ذلك بتسعة أيام، وتحديداً في ١٧ /٦ / ٢٠١٤ كان قرار الاتحاد الأفريقي بإعادة عضوية مصر، وفي ٢٣ /٣ /٢٠١٥ وقّع الرئيس السيسي على اتفاق إعلان المبادئ المتعلق بسد النهضة الإثيوبي، بحضور ممثل البنك الدولي.

يجب أن نتوقف أمام هذه التواريخ جيداً، حتى يمكننا استيعاب ما حدث على امتداد الأعوام السبعة المشار إليها، مع الوضع في الاعتبار أيضاً العامين السابقين على تلك الأحداث، وتحديداً منذ أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ في مصر.

مع أحداث يناير ٢٠١١ في مصر، فترة حكم المجلس العسكري تحديداً، بدأت إثيوبيا بتمهيد أرض المشروع، والاتصال بمكاتب خبرة عالمية في هذا الصدد، دون أن يحرك المجلس العسكري ساكناً.

ظلت إثيوبيا على مدى ثلاثة اعوام تقوم بأعمال تمهيدية بموقع السد، بموازاة الاستعانة بمكاتب الاستشارات الخارجية لتنفيذ التصميمات، إلا أنها لم تجد تمويلاً في ذلك الوقت من أي نوع لتنفيذ المشروع، سوى فتح باب الاكتتاب الداخلي لديها للمواطنين، وإجبار البنوك المحلية أيضاً على المساهمة بقروض بفوائد ميسرة، ثم فتحت باب الاكتتاب للإسرائيليين، وكان تنشر الإعلانات في الصحف الإسرائيلية والشوارع في تل أبيب وغيرها من المدن تحت عنوان (معاً ضد مصر)، في إشارة إلى الهدف من إنشاء السد، في الوقت الذي كانت مصر تتحدث فيه عن سلام دافئ مع إسرائيل، ليصل إجمالي ما حققته إثيوبيا طوال السنوات الثلاث، أقل قليلاً من مليار دولار، وهو مبلغ لا يكفي لإنشاء مشروع بهذا الحجم، ذلك أنها تحتاج إلى خمسة مليارات دولار على أقل تقدير.

في ٣ / ٦ / ٢٠١٣ ترأس الرئيس الأسبق محمد مرسي جلسة حوار وطني، دعا إليها الأحزاب والقوى السياسية والأزهر والكنيسة، لبحث تأثير السد على مصر، وقال نصاً: إن إثيوبيا ما زالت في مرحلة التمهيد لبناء السد، الآن هُم في المرحلة الأولى وهي الإعداد للإنشاء، والمرحلة الثانية هي مرحلة الإنشاء والتخزين، والمرحلة الثالثة، هي مرحلة الإدارة، ويجب أن نشارك في المراحل الثلاثة، ذلك أن مرحلة الإدارة تضمن تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهو الاتفاق الذي يجب أن يتضمن كل شي من خلال أطراف دولية، وقال إن رئيس الوزراء الإثيوبي قال له: إن مصر لن تضار بكوب ماء واحد، إلا أننا -على حد قوله- لا نريد ترك الأمر للوعود الشفهية، وقد شهدت هذه الجلسة أطروحات عديدة من المشاركين تمحورت حول أهمية استخدام القوة مع إثيوبيا، أو على الأقل التلويح بها.

في ٢٣ أبريل ٢٠١٤، في ظل رئاسة الرئيس المؤقت عدلي منصور، جاء القرار المفاجئ من كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والبنك الدولي، بوقف تمويل السد الإثيوبي، على اعتبار أن هذا الاستثمار غير آمن لوجود خلافات مع دولتي المصب -مصر والسودان- وهو الأمر الذي أربك القيادة الإثيوبية إلى أبعد حد، وتوقف العمل تماماً في العمليات التمهيدية للبناء.

مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المصرية، كانت هناك اتصالات سعودية – إماراتية مع إثيوبيا التي كانت ترأس الاتحاد الأفريقي طوال عام ٢٠١٣، لرفع العقوبات عن مصر وعودتها إلى الاتحاد، ذلك أن لإثيوبيا دور فاعل أيضاً في القارة، نتيجة وجود مقر الاتحاد الأفريقي لديها، وهنا كانت بداية سلسلة التنازلات والمؤامرات في الوقت نفسه، التي بدأت بتبرع رجل الأعمال السعودي محمد العمودي بمبلغ ٨٨ مليون دولار لإنشاء السد، ثم سلسلة استثمارات سعودية بلغت خمسة مليارات دولار، وإماراتية بلغت ٣،٢ مليار، وتم تتويج كل ذلك بتوقيع الرئيس عبدالفتاح السيسي على إعلان المبادئ، الذي لم ينص فيه على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل من جهة، ومن جهة أخرى منح الشرعية للسد، حيث أصبح القرار الدولي بوقف التمويل بلا معنى، فهرعت العواصم المختلفة والبنك الدولي لتمويله أيما تمويل.

بمجرد توقيع الرئيس السيسي على إعلان المبادئ، شرع على الفور في العمل بالداخل على ثلاثة محاور، ظناً منه أنها سوف تغطي العجز المنتظر في مياه النيل، وهي تبطين الترع، وتحلية مياه البحر، وتنقية مياه الصرف الصحي، من خلال مشاريع متعددة وعملاقة ومكلفة جداً، في دلالة على أنه كان يعي تماماً عواقب ذلك التوقيع، الذي سوف يحرم مصر من حصتها في مياه النيل، بما يشير أيضاً إلى أن كل المفاوضات التي شاركنا فيها، من أديس ابابا، إلى الخرطوم، إلى القاهرة، إلى واشنطن، على امتداد ستة أعوام، من ٢٠١٥ حتى ٢٠٢١ كانت تحصيل حاصل، أو ذراً للرماد في العيون، وبما يوضح أسباب تلك الثقة التي يتحدث بها الإثيوبيون، من أن مصر لن تفعل أي شئ حيال السد، وأن الأمر الواقع يفرض نفسه.

المصدر    "الجزيرة مباشر"