"سعيّد" عزل 57 منهم بتهم فضفاضة.. قضاة تونسيون: قرار عزلنا جائر وتسلطي
الخميس - 2 يونيو 2022
أثار القرار الذي أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد بعزل 57 قاضيا، موجة رفض وانتقادات في الأوساط القضائية والسياسية، وقد وُصف القرار بالـ"الجائر" و"الظالم".
وفي ساعة متأخرة من ليل الأربعاء، صدر بالجريدة الرسمية للجمهورية التونسية أمر رئاسي يقضي بعزل 57 قاضيا مع التنصيص على النفاذ الفوري، بتهم تتعلق بالفساد والتستر على فاسدين، وتعطيل تتبع ذوي شبهة إرهابية.
وشمل قرار العزل قضاة بارزين من بينهم يوسف بوزاخر الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء الذي حله الرئيس سعيّد، إضافة إلى الرئيس السابق لمحكمة التعقيب الطيب راشد، ووكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي.
وعقب إصدار القرار الرئاسي، تواجدت تعزيزات أمنية كبرى أمام المحاكم التونسية صباح الخميس.
مجزرة القضاء
وفي تعليق، قال القاضي ورئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان مراد المسعودي (تم عزله) في تصريح لـ"عربي21": إن قرار الإعفاء ظالم واعتباطي وينم عن تكريس مطلق للفوضى بالدولة التونسية".
وشدد القاضي المسعودي على أن قرار العزل لا يتجه فقط للمعزولين لأنه كان متوقعا وإنما لبقية القضاة، من بقي من القضاة سيظل الآن بين المطرقة والسندان لأن الرئيس سيعمل على تنفيذ أجنداته من خلالهم ومن يرفض سيعزله".
وتابع القاضي المسعودي قائلا: "هي رسالة للقضاء حتى يحسم من خلاله سعيد معاركه مع خصومه، ولكن نحن نعتبره قرارا معدوما كبقية القرارات التي أصدرها لأنه لا سند قانونيا لها"، كاشفا أن القضاة سيتحركون وسيتم تدارس الخطوات اللازمة لذلك.
بدوره وصف القاضي محمد عفيف الجعيدي، قرار عزل قضاة "بالجائر"، قائلا إن "كل قاض اليوم بات معرضا للإعفاء بمجرد تقرير يصل إلى رئيس الجمهورية وهو أمر خطير جدا نظرا لمسه باستقلالية القضاء ويصنع الخوف في الوسط القضائي".
واعتبر القاضي محمد عفيف أن "الإعفاء في حده الأول يلامس الوضع المهني للقضاة المعنيين به والقضاة عموما، ولكنه في منتهاه يمس بالضمانات المخولة للعموم في الالتجاء للقاضي العادل".
وأكد محدثنا أنه بعد قرار العزل فقد تم الإجهاز بالكامل على ضمانات الاستقلالية، هناك اتجاه نحو تحكم فردي بالقضاء وهو مؤشر مقلق جدا".
الدفع للمواجهة
وفي بيان لها، قالت جبهة "الخلاص الوطني" (شخصيات وطنية معارضة للرئيس سعيد) إن قرار العزل "إجراء خطير يؤذن بدفع البلاد إلى المواجهة بين الدولة وبين الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية الوطنية وأصحاب الرأي الحر من اعلاميين ومدونين وأكاديميين".
ونبهت الجبهة إلى أن إجراء العزل للقضاة "لن يزيد الأزمة السياسية إلاّ استفحالا".
وشددت الجبهة على أنها "ترفع عاليا صوتها للتنديد بهذا الإجراء المحدثِ الذي أقدم عليه رئيس الدولة لهدم ما تبقى من صرح الديمقراطية والفصل بين السلطات ولتطويع القضاء وتسخيره لخدمة السلطة السياسية في خصوماتها مع معارضيها".
وتوجهت جبهة "الخلاص الوطني" بالدعوة لكافة القوى السياسية والاجتماعية لتوحيد كلمتها والوقوف صفا واحدا في وجه هذا الانهيار الخطير، والعمل على إنقاذ تونس وإعادتها إلى الشرعية الدستورية والحكم الرشيد.
من جهتها، أعلنت مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات" عن استنكارها و رفضها لقرار إعفاء 57 قاضيا دون تمكينهم من ممارسة حقهم في الدفاع عن أنفسهم.
وقالت مجموعة "محامون" إن "قائمة العزل تضم عددا كبيرا من الشرفاء المشهود بكفاءتهم ونزاهتهم ما يرجح أنّ سبب عزلهم يعود إما إلى عدم رضوخهم للتعليمات أو لانتقادهم للانقلاب".
ودعت المجموعة "شرفاء القضاء و المحاماة إلى التصدي و بكل قوة لهذا العبث، والذود عن استقلال السلطة القضائية إزاء تغول سلطة الانقلاب"، وفق نص البيان.
إجراء تسلطي
وفي السياق ذاته، قال حراك "مواطنون ضد الانقلاب" إن قرار عزل القضاة "إجراء تسلطي يأتي في سياق عزلة داخلية وخارجية لسلطة الانقلاب وفي إطار محاولة يائسة لتحويل أزمته الخانقة نحو فتح المعركة مع خصومه السياسيين لتصفيتهم عبر قضاء التعليمات والخضوع".
وحذّر الحراك من أن ما أقدم عليه قيس سعيد، هو إيذان بمرحلة خطيرة من استعمال أجهزة الدولة والمرفق القضائي لإغلاق الحياة السياسية، واستهداف المعارضة ومقاومي الانقلاب، ويدفع بالبلاد إلى مخاطر المواجهة وتعميق عزلة البلاد تحت ستار حديدي من الحكم الفردي الاستبدادي المارق عن القوانين والشرعية.
وفي 12 فبراير/ شباط الماضي، وقّع سعيد مرسوما بإنشاء "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء" محل المجلس الأعلى للقضاء (هيئة دستورية مستقلة)، الذي اتهمه بعدم الاستقلالية وإطالة فترة التقاضي في قضايا، ما أثار احتجاجات ضد سعيد ورفضا من هيئات قضائية وقوى سياسية.
وقال سعيد، خلال إشرافه على مجلس الوزراء الأربعاء، إن التهم الموجهة لقضاة هي "تعطيل تتبع (التحقيق) في ملفات إرهابية وعددها 6 آلاف و268 ملفا، وعدم الحياد وتجاوز الصلاحيات وتوجيه الأبحاث (التحقيقات)"، بحسب صفحة الرئاسة على "فيسبوك".
ومن التهم أيضا، وفق سعيد، "مساعدة مشتبه فيه بتهمة الإرهاب ومنها منحه الجنسية التونسية والتواطؤ فيما يُعرف "بالجهاز السري" والارتباط بأحزاب سياسية"، بجانب "فساد مالي وارتشاء وثراء فاحش وفساد أخلاقي".
ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، تعاني تونس أزمة سياسية حادة، حين بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل البرلمان ومجلس القضاء وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.
كما قرر سعيد إجراء استفتاء على دستور جديد للبلاد في 25 يوليو/ تموز المقبل، وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى 17 ديسمبر/ كانون الأول القادم، ومنح نفسه حق تعيين ثلاثة من أعضاء هيئة الانتخابات السبعة، بما فيهم رئيسها.
وتعتبر قوى تونسية أن هذه الإجراءات تمثل "انقلابا على الدستور" وتستهدف تجميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية في يد الرئيس.
بينما ترى قوى أخرى أن تلك الإجراءات تهدف إلى "تصحيح مسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).
أما سعيد، الذي بدأ عام 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، فاعتبر أن إجراءاته هي "تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم"، وتعهد بعدم المساس بالحقوق والحريات.
المصدر: عربي 21+ الأناضول