"جوانتامو مصر" إلى بيزنس إماراتي .. ماذا وراء إخلاء سجن العقرب؟
السبت - 27 آغسطس 2022
كشفت منظمة "نحن نسجل" أن السلطات المصرية قد أخلت تمامًا سجن العقرب 1 (يسمي أيضا 992) من جميع السجناء لأول مرة منذ افتتاحه في تسعينيات القرن الماضي، وانه تم نُقل السجناء السياسيين إلي سجني العقرب 2 وبدر وغيرهما.
قالت إن خطة إخلاء السجن تأتي وسط أنباء عن سعي السلطات لهدمه هو وغيره من سجون منطقة طره لاستغلال هذه الأرض في مشاريع استثمارية قادمة، وسط أنباء عن بيعها للإمارات وتسريع إخلائها لمطالبة الامارات بها لبناء أبراج على النيل.
وشهد سجن العقرب 1 منذ افتتاحه العديد من الانتهاكات وكان يُعد أحد الأدوات الرئيسية التي تستخدمها السلطات في التنكيل بالمعارضين وأسرهم.
وشهد هذا السجن مآس متعددة ومظالم كبرى من تعذيب وإذلال وتجويع ومنع الأهالي من حق زيارة ذويهم والاطمئنان عليهم بحسب عضو المنظمة "هيثم غنيم".
وفي يوليو 2022 أعلنت رابطة أهالي معتقلي سجن العقرب شديد الحراسة في مصر، أن إجراءات نقل المحبوسين في سجن "شديد الحراسة 1"، دخلت حيز التنفيذ، وبالفعل نُقل قرابة نصف المحبوسين إلى سجن بدر الجديد.
وقالت منظمة "نحن نسجل"، الحقوقية، إنها علمت بالفعل عبر مصدرين مستقلين عن بدء قطاع الحماية المجتمعية (مصلحة السجون سابقاً) بنقل السجناء المحتجزين داخل سجن العقرب شديد الحراسة 1.
ووفق ما تأكدت المنظمة منه، فقد وصلت دفعة من السجناء المنقولين إلى سجن بدر الجديد، وهو ما دفع المنظمة إلى المطالبة بتمكين أهالي هؤلاء السجناء من حقهم في الزيارة، المكفول قانوناً للاطمئنان إلى ذويهم، وخصوصاً أنهم، بالمخالفة للقانون والدستور، قد مُنعوا من الزيارة في سجن العقرب 1 كلياً منذ عام 2018.
وعلقت السيدة سناء عبد الجواد، زوجة ووالدة المعتقلين الدكتور محمد البلتاجي، البرلماني السابق والقيادي بجماعة "الإخوان المسلمين" وأنس البلتاجي، أن الهدف من نقلهم إلى سجن بعيد جداً جداً عزلهم عن الدنيا كلها فلا يعرف عنهم شيء أكثر مما هو كائن الآن.
مخصص للإخوان
وسجن العقرب هو سجن شديد الحراسة يقع ضمن مجموعة سجون طرة جنوب القاهرة، وكان يُوجد به السجناء السياسيون من الإخوان المسلمين وبعض السياسيين المُعارضين لنظام السيسي، الذين يعانون من سوء المعاملة.
ويقع سجن «العقرب»، ضمن منطقة سجون طرة «ب»، ويسمى في وزارة الداخلية بـ «سجن شديد الحراسة بطرة»، ويقع على بعد 2 كم من بوابة منطقة سجون طرة الرئيسية.
إلا أن وضعه مميز كسجن شديد الحراسة، لأنه محاط بسور يبلغ ارتفاعه 7 أمتار، وبوابات مصفحة من الداخل والخارج، كما أن مكاتب الضباط تقع بالكامل خلف الحواجز والقضبان الحديدية.
وعن تسمية السجن باسم "العقرب" فإن التصميم الهندسى للسجن يشبه فى صورته النهائية العقرب، إذا ما تمت رؤيته من الأعلي
وسبق أن كشف مصادر أمنية، لـ"المصري اليوم" 10 أغسطس 2015، أن فكرة إنشاء السجن أمريكية وتم تنفيذها بأياد مصرية، وأنه تم اقتراح فكرة سلسلة السجون شديدة الحراسة بعد عودة مجموعة من ضباط الشرطة من بعثة تدريبية في الولايات المتحدة، واعتبرتها الداخلية فكرة خلاقة، وكافية لسد ما اعتبرته عجزا في سياستها مع الجماعات المسلحة بشكل خاص.
وأضافت المصادر: «بدأ انشاء السجن عام 1991، في عهد اللواء حسن الألفي، وزير الداخلية الأسبق، ومجموعة من مساعديه، بينهم اللواء حبيب العادلي، مساعد الوزير لشؤون أمن الدولة آنذاك، وتم تجهيز هذه الأفكار الأمريكية ووضعها على أولوية التنفيذ الفوري، واستغرق بناء السجن عامين، حيث تم الانتهاء منه في 30 مايو 1993.
وتم الافتتاح الرسمي للعقرب في 26 يونيو 1993، وحضره حبيب العادلي، حين كان مساعدا لوزير الداخلية بتكلفة حوالي 10 ملايين دولار، وقدرته الاستيعابية تصل إلى ألف سجين، طبقًا لما ذكره اللواء محمود الفخراني، مساعد وزير الداخلية لشؤون السجون آنذاك، لمنظمة هيومن رايتس ووتش 2016.
ويتكون السجن من 320 زنزانة مقسمة على 4 عنابر أفقية، تأخذ شكل الحرف«H»، بكل زنزانة مصباح تتحكم بها إدارة السجن، ويحتوي كل عنبر على 80 زنزانة ومساحة الزنزانة 2.5م × 3م، وارتفاعها 3.5م.
وبكل زنزانة شباك 90 سم × 80 سم، وارتفاعه عن الأرض 2.5 م، ويطل الشباك على طرقة مسورة أعلاها سقف خرساني، ويوجد بالسور فتحات على ارتفاع 3م من سطح الأرض، يدخل منها الهواء والشمس بطريقة غير مباشرة، لأن شباك الزنزانة ينحرف عن فتحات السور بمسافة 1.5م.
وللزنزانة باب حديدي ارتفاعه 2م وعرضه واحد متر، وبه فتحة على ارتفاع 1.5م طولها وعرضها 25 سم × 15 سم، وبداخل كل زنزانة كشاف كهربائي به لمبة 100 وات، ويتم التحكم في إضاءتها عن طريق غرفة التحكم الخارجية.
كما يوجد بالسجن مكان مخصص لـ«التريض»، عبارة عن قطعة أرض خرسانية مغطاة بالرمال على شكل حرف «L»، وتقع في مؤخرة الزنازين، وهي خاصة بـ 20 زنزانة ومساحتها 25 م × 15 م، والزنزانة معدة للحبس الانفرادي.
وتعد عنابر تأديب خاصة بالمعتقلين السياسيين، يمنع عنهم فيها الإضاءة وتبادل الحديث.
وأكدت المصادر أن كل عنبر ينفصل بشكل كامل عن باقي السجن، بمجرد غلق بوابته الخارجية المصفحة، فلا يتمكن المعتقلون حتى من التواصل عبر الزنازين، كما يفعل المساجين في السجون العادية، نتيجة الكميات الهائلة من الخرسانة المسلحة التي تمنع وصول الصوت.
وقالت المصادر إن «ضباط أمن الدولة كانوا يسمحون حتى عام 2011، أي بعد ثورة 25 يناير بوجود خلوة شرعية لكل المحبوسين في السجن، وكانت زيارتهم تتم دون رقابة، إلا أنه في نوفمبر 2011، ألغى اللواء محمد نجيب، مساعد الوزير لقطاع السجون وقتها، أية مميزات للجماعات في السجون.
وأشارت المصادر إلى أن مصلحة السجون سارعت إلى ابتكار النظام الجديد للغرف الزجاجية، خلال الزيارة، بمجرد دخول عدد من قيادات جماعة الإخوان للسجون، ويتم التحدث عبر التليفونات أثناء الزيارة، بدعوي منع صدور تكليفات من داخل السجون إلى خارجها، لأن تلك الزيارات تكون في وجود ضباط ووفقا للقانون، ويتم تنفيذها على جميع الرموز.
وفيات بالجملة
وتوفي عدد كبير من المعتقلين في هذه السجون أشهرهم قيادي الإخوان فريد إسماعيل، والبرلماني «الفلاحجي»، والدكتور طارق الغندور، الذي كان يعاني من مرض الكبد، وزكي أبوالمجد، الذي كان مصابا بالسكري، وأبو بكر القاضي، الذي عانى من مرض السرطان بسبب الإهمال.
ثم القيادي في جماعة الجهاد نبيل المغربي، وزميله مرجان سالم، وأخيرا القيادي في الجماعة الإسلامية عصام دربالة والمرشد السابق لجماعة الإخوان مهدي عاكف والدكتور عمرو أبو خليل شقيق الحقوقي هيثم أبو خليل، والدكتور عصام العريان وعضو جماعة الإخوان عماد حسن، ومحمد السعيد، المتهم في قضية أنصار بيت المقدس.
ومنهم نائب الإخوان السابق هشام القاضي الذي توفي بالإهمال الطبي بعد عشرة أيام من انتقاله من سجن «محكوم بطرة» إلى «العقرب».
وقبل وفاته، بعث الدكتور عصام العريان رسالة مسربة من قلب "سجن العقرب"، يتحدث فيها عن تفاصيل هامة متعلقة بالانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها د. محمد البلتاجي والتي قد تهدد حياته رغم أنه هو أيضا كانت حياته مهدده.
"بورتو طره" حقيقي
وعقب ثورة 25 يناير عام 2011، وحبس عدد من وزراء ومسئولي نظام الرئيس السابق مبارك في سجن طره، سخر المصريون من السجن الشهير وأطلقوا عليه أسم "بورتو طره .. لأجلك أنت"، أي منتجع جنائي لرموز حكم الحزب الوطني السابق الذي كان شعاره "لأجلك أنت".
لاحقا، ومع تسرب أنباء عن تحول السجن الي مكان لرفاهية مسئولي النظام السابق، لا مؤسسة عقابية بسبب توفير وسائل راحة غير عادية لهم، أطلق عليه النشطاء أسم "بورتو طره"، مؤكدين أن السجن تحول لفندق خمس نجوم للوزراء.
الآن بعد 11 عاما من ثورة يناير، وتوسع الداخلية المصرية في إنشاء السجون في الصحراء وتشييد سجون بديلة لسجون القاهرة القديمة، بدأ الحديث عن نية الحكومة بيع أراضي سجن طره لتحويلها لمنتجعات سكنية فاخرة فعليا.
ويبدو أن المكان سيتحول الي "بورتو" بالفعل، وهي كلمة تعني "منتجع ترفيهي" لينطبق الاسم أخيرا على المكان، لأن أغلب أرض السجن تطل على نيل مصر وفي مكان مميز.
ويؤكد حقوقيون، منهم جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لحقوق الانسان أن الهدف من وراء نقل السجون إلى الصحراء هو استغلال الأراضي الخاصة بالسجون القديمة وخصوصا المطلة على النيل والقريبة من منطقة المعادي الفاخرة لبيعها واستثمارها، خصوصا وأنها تقع في مواقع حيوية.
جمال عيد قال إن مصر أصدرت قرارات بإنشاء 18 سجنا منذ مارس 2021 وأن هدف نقل السجون للصحراء استثمار أراضيها لجلب ملايين الدولارات.
وسبق للمذيع أحمد موسى أن قال إن قيمة أرض سجن طره مليارات الجنيهات ستذهب لصالح وزارة الداخلية ومشروعاتها.
وزارة الداخلية بدأت بالفعل تفريغ عدد من السجون الموجودة على كورنيش النيل بمنطقة طرة ونقل نزلائها إلى سجون أخرى، تمهيدا لبيع أراضيها لمستثمرين بمبالغ خيالية بعدما أخبرت منذ ديسمبر 2021 العشرات أسر أهالي المساجين بنقل ذويهم إلى عدد من السجون الأخري.
وقالت صحيفة "المصري اليوم" إن الأجهزة الأمنية المعنية بدأت بالفعل في نقل نزلاء السجن شديد الحراسة بطرة «العقرب»، ونزلاء 11 سجنًا تم إغلاقها فعليًا، إلى السجون الجديدة التي يطلق عليها "مراكز تأهيل" في وادي النطرون شمال مصر، وبدر غرب القاهرة.
ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية أنه «تم نقل نزلاء السجن شديد الحراسة بطرة «العقرب» إلى مراكز الإصلاح والتأهيل الجديدة، كما تم إجلاء نزلاء السجون العمومية، وهي استئناف القاهرة وليمان طرة والقاهرة بطرة وبنها والإسكندرية وطنطا العمومي والمنصورة وشبين الكوم والزقازيق ودمنهور القديم ومعسكر العمل بالبحيرة والمنيا العمومي".
وأضافت المصادر للصحيفة: «السجون الـ 12 التي تم إغلاقها تمثل 25% من عدد السجون على مستوى الجمهورية، وإنشاء مراكز الإصلاح والتأهيل سيؤدي إلى عدم تحمل الموازنة العامة للدولة أي أعباء لإنشاء وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل، في ضوء أن القيمة الاستثمارية لمواقع السجون العمومية المقرر إغلاقها تفوق تكلفة إنشاء تلك المراكز".
وتقدر الشبكة العربية عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين في مصر حتى بداية مارس 2021 بنحو 120 ألف سجين، بينهم نحو 65 ألف سجين ومحبوس سياسي، وحوالي 54 سجين ومحبوس جنائي، ونحو ألف محتجز لم تتوصل الشبكة لمعرفة أسباب احتجازهم، وفقا لتقريرها المعروف باسم "في انتظارك".