"بارونات" الطعام.. هل يجوع العالم بسبب احتكار براءات تطوير الأغذية وسلاسل التوريد؟
السبت - 29 أكتوبر 2022
إنسان للإعلام- خاص
مع تزايد التحذيرات الدولية من أزمات غذاء قادمة أشد، ونشر الأمم المتحدة تقريرا في أكتوبر 2022 يشير إلى "تهديدات غير مسبوقة تواجه الأمن الغذائي العالمي بسبب النزاعات والحروب"، بدأت تتكشف حقائق عن دور سلاسل توريد وتوزيع الغذاء العالمية وبراءات اختراع الطعام في تفاقم الأزمة أكثر بسبب احتكارهم توزيع وانتاج الغذاء.
مقاضاة فلاحين مصريين
يوم 25 سبتمبر 2022 رفعت شركة أمريكية عدة قضايا أمام المحاكم المصرية تقاضي فلاحين مصريين لسرقتهم "ملكية فكرية" لنوع من العنب يسمى "شوجراثرتين" Sugrathirteen، يُزرع في إسرائيل وقبرص.
حيث طورت شركة Sun World الأمريكية، هذا النوع من العنب الأسود الخالي من البذر، وسجلته باسمها وحصلت على حقوق الملكية الفكرية، وفقًا لموقع "فريش فروت بورتال" الأمريكي الخاص بالمنتجات الزراعية.
وحين تحايل فلاحون مصريون بمدن طنطا والإسكندرية والقاهرة، وحصلوا على شتلات من هذا العنب وزرعوها دون الرجوع إلى الشركة الأصلية ودفع حقوق الملكية، توفيرا للنفقات، قامت الشركة بمقاضاتهم.
وحكم القضاء المصري لصالحها، وقامت الشرطة المصرية باقتلاع ما زرعه هؤلاء الفلاحين من أشجار العنب من هذا النوع في مصر لتعديهم على "الملكية الفكرية".
تكرر الأمر في يوليو 2022 مع نوع آخر من العنب يسمي "إيرلي سويت" Early Sweet تمتلك شركة أمريكية أخري الملكية الفكرية له، وصدرت أحكام بغرامات ضد مزارعين مصريين بسبب زراعة هذا النوع المحمي، حيث أصدرت محكمة مصرية 4 يوليو 2022 حكما بإزالة 9 آلاف شجرة عنب في بنى سويف جنوب مصر، بحسب صحيفة "المصري اليوم".
الاحتكار وأزمة الطعام
ورغم أن الملكية الفكرية للطعام ليست شيئا مستحدثا، وهي موجودة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، عقب إنتاج أطعمة معدلة وراثيا، هناك مخاوف أن يؤدي انتشار هذه الملكية الفكرية للأصناف الغذائية بالذات إلى أزمة طعام، بفعل هيمنة شركات.
انتشار الملكية الفكرية للأصناف الغذائية، وهيمنة سلاسل غذائية محدودة ممن يُطلق عليهم "بارونات الغذاء" على طعام العالم، يعدد بهيمنتهم على كل غذاء العالم، خاصة مع تزايد انتشار الأغذية المجهزة في المختبرات.
وتمكن عدد قليل من الشركات الكبرى من السيطرة على الإنتاج الزراعي، وقيامها أيضا بإنتاج أطعمة منتجة تكنولوجيا في المعامل مثل اللحوم المخلقة، أو بدائل اللحوم النباتية، قد يجعل هذه الهيمنة عبر الملكية الفكرية على الطعام وبالا على العالم.
ويجرم قانون الملكية الفكرية التعدي على حقوق المربى بزراعة أصناف زراعية محمية من دون موافقة صاحب الصنف، وينص على أنه في حالة تكرار الواقعة تكون العقوبة الحبس لمدة تتراوح ما بين ثلاثة أشهر إلى سنة بالإضافة إلى الغرامة.
لا يقتصر الأمر على مصر، فهناك أمثلة لا حصر لها عن الشركات الكبرى التي تلاحق مزارعين آخرين في العالم، يُزعم أنهم انتهكوا قواعد الملكية الفكرية، رصدتها صحيفة "الجارديان" البريطانية 12 فبراير 2013.
أبرزها قيام شركة "مونسانتو" الزراعية العملاقة في أمريكا بمقاضاة المئات من صغار المزارعين الأمريكيين لأنهم استخدموا تقنيات سجلتها الشركة "حماية ملكية"، وربحت بموجبها منهم في المحاكم 23 مليون دولار.
أيضا رفع شركة بيبسيكو عام 2019 دعوى قضائية شهيرة على عدد من المزارعين الهنود لزراعتهم صنف من البطاطس تمتلك براءة اختراعه، وتزرعه الشركة خصيصا لاستخدامها في صناعة شيبسي "ليز"، وفق وكالة رويترز 26 أبريل 2019.
وكان التعويض الذي تطالب به الشركة الأمريكية المزارعين الهنود حينئذ هو 143 ألف دولار.
شركات أخري، مثل "باير" و"داو دوبونت" (لها قسم زراعة خاص يسمى كورتيفا أجري ساينس) و"سينجينتا" نجحت أيضا في الحصول على براءات اختراع لمساحات كبيرة من أصناف المحاصيل عالية الإنتاج، وصارت تتحكم في معظم بذور العالم.
شركة تحتكر 50% من البذور
ويؤكد تقرير لموقع Mordor intelligence، وهو مستشار لإدارة أعمال في الهند أن شركات باير مونسانتو ودو بونت وسينجينتا تمتلك في الوقت الحالي، نحو 50% من سوق البذور العالمية، ومن المتوقع أن يصل حجم هذا القطاع إلى 90 مليار دولار بحلول عام 2024.
هذا قد يعني أن الشركات التي يفترض أنها تمتلك هذه الأنواع من البذور، سواء كانت معدلة وراثيا أم لا، بات لديها حق التحكم في كيفية استخدام المزارعين لبذورهم.
ومن ثم بإمكانها منعهم من الإتجار فيها أو إعادة زراعتها في المستقبل في حالة عدم وجود اتفاق رسمي!!.
وفي الوقت الحالي هناك أكثر من 13 ألف نوع من النباتات الحاصلة على براءة اختراع في العالم، ارتفاعا من 120 نوعا فقط عام 1990، بحسب المبادرة الأوروبية المناهضة لبراءات اختراع البذور.
الأمن الغذائي العالمي في خطر
تزامنت هذه المخاوف مع كشف منظمة "ETC Group"7 سبتمبر/أيلول 2022 وهي منظمة للعدالة البيئية، عن سيطرة 4-6 شركات ضخمة على معظم سلاسل الغذاء العالمية ما يضع الأمن الغذائي العالمي في خطر بسبب هذا الوضع الاحتكاري.
مثلما تسيطر شركات محدودة على عملية توفير الطعام وإنتاجه بدعاوي الملكية الفكرية، يسيطر عدد محدود آخر من الشركات العملاقة على سلاسل توزيع الغذاء العالمية، ما يجعل العالم تحت رحمة نوع جديد من المحتكرين أو "بارونات الغذاء".
هذه الشركات تسيطر على سلسلة الغذاء العالمية، مدعومة باستغلالها الذكاء الصناعي وتحليل البيانات، بحسب دراسة لمجموعة ETC group للعدالة البيئية (مؤسسة دولية غير ربحية مقرها الولايات المتحدة)، سبق الإشارة لها.
وفقا للدراسة تسيطر شركتان فقط على 40 في المئة من سوق توزيع البذور التجارية على مستوى العالم، بينما قبل 25 عاماً كانت 10 شركات تتشارك نفس الحصة من السوق، ما يعني زيادة الاحتكار والهيمنة على الغذاء.
وأوضحت فيرونيكا فيلا، المسؤولة في منظمة "ETC Group" للعدالة البيئية لموقع "اسكرول" 22 سبتمبر 2022: "علينا التذكير بأن عدم المساواة الهيكلية واحتكار الشركات (لسلاسل توريد الغذاء) يؤديان إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
الصين نحو الهيمنة
لفت التقرير إلى أن تجارة السلع الزراعية باتت تتركز في أيدي عدد ضئيل من التجار إذ تسيطر 10 شركات فقط على سوق تبلغ قيمتها نصف تريليون دولار.
أشار إلى صعود الشركات الصينية وازدياد حصتها في الهيمنة على سوق المنتجات الزراعية إذ أصبحت شركة Cofco المملوكة للحكومة الصينية ثاني أكبر شركة في العالم لتجارة السلع الزراعية بعد شركة Cargill الأمريكية.
إذ تجاوزت مبيعات الشركة الصينية 100 مليار دولار عام 2020 مقابل 134 مليار دولار لشركة Cargill الأمريكية.
ووفقاً للتقرير فإن شركة Syngenta الصينية للبذور والمبيدات الحشرية والتكنولوجيا الحيوية، التي تملك الحكومة الصينية حصة الأغلبية بها، أصبحت في عام 2020 تسيطر وحدها على ربع السوق العالمية في الكيماويات الزراعية بمبيعات بلغت 15 مليار دولار.
كما تملك الصين شركتين ضمن أكبر 10 شركات للكيماويات الزراعية في العالم.
وفي العام 2020 استحوذت مجموعة ADQ القابضة المملوكة للحكومة الإماراتية على 45 في المئة من أسهم شركة لويس دريفوس "Louis Dreyfus" التي تعد واحدة من أكبر شركات في العالم في قطاع الزراعة ومعالجة الأغذية والشحن الدولي.
وتبين صفقة الاستحواذ هذه مدى اهتمام الدول الغنية في الشرق الأوسط بضمان أمنها الغذائي عن طريق إنتاج الغذاء في الخارج، بحسب "الجارديان" 22 سبتمبر/أيلول 2022.
نقلت الصحيفة عن "جيم توماس" من مجموعة ETC group للعدالة البيئية قوله إن سيطرة عدد قليل من الشركات على سوق السلع الزراعية وتنامي هذه الهيمنة "أمر مثير للقلق بخاصة في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية وأزمة المناخ".
وكانت أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل كبير خلال الاشهر الماضية عقب بدء الحرب الروسية على أوكرانيا وبسبب أزمة سلاسل التوريد التي ظهرت عقب وباء كوفيد 19.
وسبق أن حذر تقرير أصدرته الأمم المتحدة 23 يوليو/تموز 2009 من أن هناك مشكلة خطيرة تتعلق بالأمن الغذائي ناتجة عن "هيكل احتكار القلة لتقديم المدخلات"، والذين يسيطرون بشكل متزايد على أسعار المواد الغذائية
تسونامي الجوع
وفي 15 سبتمبر 2022 حذر تقرير أصدرته الأمم المتحدة بأن مئات الملايين من الأشخاص حول العالم يواجهون خطر الجوع، ما يشكل حالة طوارئ غذائية غير مسبوقة، وقرعت أجراس الخطر مما أسمته " تسونامي الجوع".
وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية، ديفيد بيزلي، لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إن 345 مليون شخص يواجهون انعداماً حاداً للأمن الغذائي في 82 دولة حيث يعمل البرنامج.
وأبدي انزعاجه من أن 50 مليوناً من هؤلاء الأشخاص في 45 دولة يعانون سوء تغذية حاداً جداً و"على باب المجاعة"، معتبرا أنه "ما كان يمثل موجة جوع هو الآن تسونامي من الجوع".
ويقول برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إن العالم يواجه حالة طوارئ بحجم غير مسبوق، وأن عدد الأشخاص الذين كانوا يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد قبل جائحة كورونا تضاعف عقب الجائحة.
وكشف تقرير الأمم المتحدة حول أزمة الغذاء أكتوبر 2022 بمناسبة يوم الأغذية العالمي، النقاب عن استمرار ارتفاع عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي ويحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة، بخاصة في البلدان والأقاليم التي يتجاوز فيها حجم وشدة أزمة الغذاء الموارد والقدرات المحلية.
ويأتي يوم الأغذية العالمي لعام 2022 في خضم أزمة أمن غذائي متفاقمة، تلقي بظلالها على العالم وأعداد مرتفعة بشكل لم يسبق له مثيل من الأشخاص المعرضين لخطر المعاناة من مستويات خطيرة من الجوع في آسيا وأفريقيا.
إضافة إلى الأشخاص البالغ عددهم 970 ألف شخص المعرضين لخطر المجاعة في أفغانستان وإثيوبيا والصومال وجنوب السودان واليمن، فإن عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع حول العالم آخذ في الارتفاع، وفقاً لأحدث إصدار لتقرير منظمة الأغذية والزراعة عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم.