"النتيجة محسومة".. لماذا تدير هيئة استخباراتية حوار السيسي المزعوم؟

السبت - 14 مايو 2022

بعد ترويج عبد الفتاح السيسي لحوار شكلي ينتقي البعض ويستثني الأغلبية عبر لجنة عفو "تمييزية"، اتخذ ثلاث خطوات شكلت ثلاث مفاجآت، لتعزز توقعات المعارضة بأن "الحوار وهم"

ومع هذه الخطوات، أكد النظام أن الهدف هو "تلميع صورة النظام في العالم الخارجي"، حسبما أكدت صحيفة "واشنطن بوست" في 3 مايو/أيار 2022.

ذراع استخباراتية

المفاجأة الأولى، اختيار "الأكاديمية الوطنية للتدريب"، لإدارة الحوار السياسي المعلن عنه في 26 أبريل/نيسان 2022، وهي ذراع استخباراتي على غرار "التنظيم الطليعي" في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وتديرها عناصر مخابرات السيسي، ما يشير إلى أن "النتيجة باتت معروفة"، وفق مراقبين.

ويرأس الأكاديمية، المتخصصة في التسويق والمالية، الحاصلة على دكتوراه في التسويق من جامعة نيويورك، رشا راغب، ما يثير الاستغراب لأن "الحوار سياسي لا اقتصادي"

ويُعرف عن "راغب" أنها بلا خبرة سياسية ولم يسبق لها خوض معترك السياسة، لذا رأى الصحفي جمال سلطان، في تغريدة نشرها في 10 مايو، أن "تكليف السيسي لخبيرة في التسويق لمحاورة المعارضين الحالمين بحوار سياسي يورطهم في مهانة وإذلال بلا أي نتيجة لو شاركوا"

وانبثقت الأكاديمية عن مؤتمرات الشباب التي اخترعها السيسي ليلقي من منصتها خطبه، لذا توقع نشطاء ألا يختلف الحوار الوطني عن مؤتمرات الشباب، مؤكدين أن السيسي سيحاور نفسه، طالما المعارضة الحقيقية وأولها الاخوان المسلمون غائبة.

وكانت المفاجأة الثانية، هي دعوة الأكاديمية رموز النظام، مثل الإعلامي مصطفى بكري وبعض السياسيين الموالين للحوار، ما يشير إلى أن الهدف "ليس سياسيا، وإنما إلقاء خطب وتفريغ الحوار من مضمونه"

أما المفاجأة الثالثة، فكانت غياب الدعوات الموجهة للمعارضين الحقيقيين، وإعلان عدد من الأحزاب التابعة مباشرة للمخابرات أو الموالية، تلقيها في 10 مايو/أيار 2022، دعوات لإجراء الحوار السياسي.

وبخلاف أحزاب السلطة (المستقل، وحماة وطن، والمصريين الأحرار، وغيرهم) لم يعلن عن دعوة أي قوة معارضة، سوى التيارات التي تسمي نفسها "مدنية"، مثل حزب الدستور والأحزاب اليسارية والناصرية، وحزب الوفد الليبرالي الموالي للسلطة، والتجمع اليساري "المستأنس"، وحزب النور السلفي "المستأنس"، الذين رحبوا بدعوتهم، وأعلنوا المشاركة في الحوار.

وأعلنت جهات حكومية أو موالية تلقيها دعوات للحوار، منها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، ونقابة الصحفيين التي يسيطر عليها موالون للسلطة.

وجمعيات خيرية، مثل "رسالة"، و"مؤسسة شارعنا للرعاية والتنمية"، و"الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية"، وغيرها من الهيئات غير المعروفة ولا علاقة لها بالحوار السياسي، لكن تمت دعوتها.

لذا أبدى رئيس حزب "الدستور" السابق، خالد داود، مخاوف تتعلق بالجهات التي تتم دعوتها وكيفية تنظيمها والموضوعات التي ستتم مناقشتها، مؤكدا أنها "ستكشف جدية الحوار"

وأكد داوود لموقع "المونيتور" الأميركي في 10 مايو 2022 أن "قلقنا هو أن يتحول إلى مؤتمر يحضره مئات الشخصيات، بما في ذلك العشرات من المؤيدين للنظام، مما سيضعف فرص أولئك الذين لديهم رأي مخالف للتعبير عن آرائهم".

إدارة مخابراتية

على غرار إدارة مخابرات نظام الرئيس الأسبق، حسني مبارك، الحوار مع رموز المعارضة عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 عبر اللواء الراحل عمر سليمان، اختار السيسي إجراء الحوار مع المعارضة العلمانية، بعد استبعاد الإسلامية والوطنية، عبر مخابراته.

ولأن معالم الحوار الوطني وما يسمى "العفو الرئاسي" كانت واضحة من قبل تكليف الأكاديمية الوطنية للتدريب بإدارة الحوار، حرصت أحزاب ومنظمات وسياسيون على تحذير النظام من تضييع الفرصة.

وفي 5 مايو 2022، قدمت ثماني منظمات حقوقية، مبكرا، مقترحات "بمعايير وضوابط للإفراج عن جميع السجناء السياسيين في مصر"

وركزت في بيان، على أن "فتح ملف السجناء السياسيين خطوة ضرورية وعاجلة تأخرت كثيرا، حتى أصبحت مصر من أوائل دول العالم من حيث ضخامة عدد المحبوسين بتهم سياسية"

ونوهت المنظمات بأنها تهدف إلى "تفادي أخطاء الماضي في التعامل مع هذا الملف أو الاستمرار في نهج ثبت فشله في تصفية مواقف الآلاف من السجناء السياسيين منذ إنشاء لجنة العفو الرئاسي عام 2016"

أيضا أصدر عشرات من السياسيين والحقوقيين بيانا في 9 مايو 2022 يطالبون السيسي بـ"تدابير جادة" لبناء الثقة بين النظام الحاكم والمجتمع المدني.

وأكدوا تلقيهم دعوة الحوار "بمزيج من الترقب والحذر"، بسبب "دأب النظام الحاكم على مدار ثماني سنوات على تخوين وقمع المعارضين ومنتقدي توجهاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتنكيل بكل من مارس حقه في التعبير السلمي".

وعبروا عن "تخوفهم من الانحراف بالحوار المرتقب إلى شخصنة القضايا والإفراجات المتعلقة بها بدلا من الاتفاق على إجراءات بجدول زمني محدد لمواجهة الأزمة الأكبر التي تعيش مصر في ظلالها، بسبب تفضيل النظام الحاكم لاعتماد القمع كوسيلة حكم بديلا عن النقاش والحوار".

من جهته، أعلن تحالف الأحزاب المصرية (حكومية وعلمانية)، الذي يضم نحو 40 حزبا، في 11 مايو، ورقة تحت عنوان "الطريق إلى الحوار الوطني"، لتوضيح مطالبهم وآليات المشاركة في الحوار والملفات.

وكان لافتا حديثهم أن الورقة "بهدف تقديم الدعم والمساندة للقيادة السياسية ومن منطلق المسؤولية الوطنية المُلقاة على عاتقنا جميعا"

ورغم عدم دعوتها، طالبت "حركة شباب 6 أبريل"، المعارضة، في 10 مايو، بـ"إطلاق سراح المزيد من المسجونين، قائلة إنها "تنتظر خارطة الطريق المقترحة لعملية الحوار الوطني.

ويرى الصحفي المعارض، سمير درويش، أن السيسي "بحاجة إلى خلق صورة جديدة من شأنها أن تساعد في التغلب على الأزمة الاقتصادية الحادة التي تنطوي على ديون داخلية وخارجية ضخمة".

وقال درويش، لـ"المونيتور" في 26 أبريل/نيسان 2022، إن "السيسي يحتاج إلى صورة تمحو صورته القديمة عن حكمه الفردي، لأنها ستجعله وحده يتحمل أعباء الفشل"

شروط الإخوان

وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين (اللجنة القائمة بعمل المرشد) بيانا يرهن نجاح الحوار الوطني بـ"إطلاق المعتقلين ومشاركة الجميع وإطلاق الحريات وإلغاء الأحكام المسيسة والوقف الفوري لأحكام الإعدام السياسية"، رغم استبعادها.

وأكدت الجماعة في بيان 10 مايو/أيار 2022 أنها "منفتحة دائما على كل حوار من شأنه تحقيق الخير للمجتمع ولأبنائه جميعا"

وكان المفوض السابق للعلاقات الدولية بجماعة "الإخوان المسلمون"، يوسف ندا، أصدر بيانا مشابها في 30 أبريل/نيسان 2022 عبارة عن رسالة مفتوحة للنظام أن "باب جماعة مفتوح للحوار والصفح بعد رد المظالم"

وطالب بـ"إنهاء معاناة المعتقلين وأسرهم، وتفعيل نص المادة 241 من الدستور الخاصة بإصدار قانون العدالة الانتقالية"

ورغم أن بيان الإخوان وبيان "ندا" يعبران عن توافق القيادتين المعبرتين عن جماعة الإخوان المسلمين في لندن وإسطنبول، فقد استقبلت أوساط الناصريين هذه الرسالة بغضب وانتقدوها بشدة مطالبين السيسي بعدم الحوار مع الإخوان.

ورد الصحفي الناصري، عبد الله السناوي، الداعم للسيسي في مقال بجريدة الشروق 8 مايو/أيار 2022 على دعوة "ندا" قائلا: "لا يتوقع أحد أي رد على رسالة يوسف، ولا أن توجه أية دعوة لممثلين عن الجماعة للانخراط في الحوار الوطني المزمع"

وزعم أن "الجماعة لا تحاور، ولا تلتزم وعودها، بل تعقد الصفقات على حساب أية قيمة، كالتي أعقبت عودتها مطلع سبعينيات القرن الماضي لضرب القوى الناصرية واليسارية في الجامعات المصرية، التي كانت تمثل صداعا سياسيا للرئيس محمد أنور السادات"

كما رأى محسوبون على نظام السيسي أيضا أن دعوات الإخوان للحوار "وقبولهم مرة أخرى "انتهى من قاموس المجتمع والدولة المصرية"

وضمن مؤشرات هذا الحوار العنصري القاصر على مؤيدي انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، أعلن وزير العدل، عمر مروان، في حوار مع الإعلامي أحمد موسى، بقناة "صدى البلد"، أنه "تم فصل كل الخلايا الإخوانية في القضاء وعددهم لا يتجاوز العشرات"، وفق تعبيره.

كما ردت السلطة على شروط الإخوان لنجاح الحوار، عبر المذيع نشأت الديهي الذي ذكر أنه لم يتم توجيه دعوة أصلا للإخوان، قائلا: "هو حد بعت لكم دعوة؟ أنتوا لا معارضة ولا فصيل وطني ولا ليكم وطن ولا دين انتوا تنظيم إرهابي!"

وفسر الصحفي المصري المعارض، وائل قنديل، مبادرة السيسي بإجراء حوار وطني بأنه "تحضير لامتحان الرئيس الأميركي جو بايدن"

المصدر: صحيفة الاستقلال