"العربي الجديد": النظام المصري يواصل محاولاته لفرض "دولة الخوف"
السبت - 3 يوليو 2021
على دبابة عسكرية، دخل النظام المصري ساحات اعتصام أنصار شرعية الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، فقتل من قتل واعتقل من اعتقل.
وفي الوقت الذي يبشّر فيه النظام المصري، عبر وسائل إعلامه التي تدار بمعرفة الأجهزة الأمنية، بما يسمى بـ"الجمهورية الجديدة"، بمناسبة مرور سبع سنوات على تولي عبد الفتاح السيسي الحكم، يواصل النظام محاولاته المكثفة من جانب أجهزته لفرض "دولة الخوف"، عبر تطبيق القبضة الأمنية، وملاحقة المعارضين والمحتجين على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
وقبل أيام قليلة من حلول الذكرى الثامنة للإطاحة بمرسي، نشرت الوقائع المصرية -ملحق الجريدة الرسمية- أربعة قرارات، أصدرها وزير الداخلية المصري محمود توفيق، بعد أن صادق عليها السيسي، بإنشاء 8 سجون مركزية جديدة في أربع محافظات، هي الفيوم، وأسوان، وكفر الشيخ، والغربية.
وحتى اليوم، بعد مضي ثمانية أعوام على الانقلاب العسكري في مصر في الثالث من يوليو/ تموز 2013، ما زال الحصر الإجمالي لضحايا فضّ اعتصامَي ميدانَي رابعة العدوية بالقاهرة والنهضة بالجيزة متفاوتاً بين التقديرات الرسمية وغير الرسمية، وكذلك بين التقديرات المحلية والدولية. لكن وإن اختلف عدد القتلى، فالمحصّلة هي مذبحة بشرية لم تعرفها مصر من قبل في تاريخها الحديث.
ويتزامن قرار إنشاء السجون الثمانية الجديدة، مع تبشير النظام المصري بالجمهورية الجديدة، والذكرى الثامنة لانقلاب الثالث من يوليو، الذي أطاح بمكتسبات ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني قبل أن يطيح بمرسي، ويعيد العسكر إلى صدارة المشهد، ويمكنهم من السيطرة على كافة مناحي الحياة، السياسية والاقتصادية. وتنضم السجون الثمانية الجديدة، إلى قائمة طويلة من السجون التي أنشئت في عهد السيسي، ويبلغ عددها 16 سجناً جديداً، ليكون إجمالي السجون خلال 8 سنوات، 24 سجناً جديداً.
انتهى القتل في الميادين وانتقل إلى القضاء والسجون. فمن نجا من المذبحة مهدّد بحكم إعدام، ومن نجا من حكم إعدام مهدّد بالموت نتيجة الإهمال الطبي المتعمّد في السجون المصرية. وفي 28 يونيو/ حزيران 2021، انتهت المدّة القانونية لإصدار عفو رئاسي عن المحكوم عليهم بالإعدام في القضية رقم 2985 لسنة 2015 كلي شرق القاهرة، المعروفة إعلاميًا باسم "أحداث فض اعتصام رابعة العدوية"، في حقّ 12 متهماً، من بينهم قيادات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين.
وإلى جانب المحكوم عليهم بالإعدام في قضيّة فض اعتصام رابعة، ثمّة مئات غيرهم ممن حوكموا بتلك العقوبة، ما يجعل مصر في المرتبة الثالثة عالمياً لجهة معدّل تنفيذ حكم الإعدام في خلال عام 2020، وفقاً لتقرير صدر عن منظمة العفو الدولية في 21 إبريل/ نيسان 2021.
وكشف تقرير منظمة العفو الدولية أنّ أربعاً من الدول الخمس الأولى المنفّذة لأحكام الإعدام في العالم هي من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي التفاصيل، سجّلت إيران أكثر من 246 تنفيذاً لحكم إعدام، ومصر أكثر من 107، والعراق أكثر من 45، والسعودية 27. يُذكر أنّ الصين، التي يُعتقد أنّها تعدم آلاف الأشخاص سنوياً، هي الدولة الأكثر تنفيذاً للإعدام في العالم.
في السياق نفسه، بحسب أحدث تقارير "هيومان رايتس ووتش" الصادر في الأوّل من يونيو/حزبران 2021، فقد حُكم على المئات بالإعدام وأُعدم العشرات، بعد محاكمات اعتمدت على اعترافات انتُزعت تحت وطأة التعذيب منذ عام 2014.
وبموازاة عدّاد القتل متسارع الوتيرة بتنفيذ أحكام الإعدام، ثمّة عداد آخر يشمل المئات سنوياً، نتيجة الإهمال الطبي المتعمّد في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة. وهناك آلاف الوقائع التي يمكن سردها للتدليل على ذلك الإهمال الطبي، لكنّ أكثرها إيلاماً وفجاجة هي سقوط مرسي أرضاً وهو في داخل قفص الاتهام يوم 17 يونيو 2019، في أثناء محاكمته في قضية "التخابر مع حركة حماس"، علماً أنّها واحدة من قضايا عديدة رُفعت في حقّه.
ولم تتوقف ممارسات النظام عند التوسع في سجن والتنكيل بالمعارضين والمخالفين في الآراء فقط، بل امتدت لعمليات واسعة من القتل خارج إطار القانون، بخلاف التوسع في أحكام الإعدام في حق قيادات ورموز المعارضة وجماعة "الإخوان المسلمين"، والتي كان آخرها في الأول من يونيو/حزيران الحالي مع اقتراب الذكرى الثامنة، بتأييد أحكام الإعدام على 12 من رموز ثورة 25 يناير وجماعة "الإخوان"، والذين جاء على رأسهم محمد البلتاجي، البرلماني السابق والأمين العام المساعد لحزب "الحرية والعدالة".
قالت مصادر سياسية، لـ"العربي الجديد"، إن "السيسي يسعى طوال الوقت إلى إيجاد حالة من التنافس بين الأجهزة السيادية، وقادتها، حتى لا يترك المجال لأي منهم لتوسيع نفوذه، أو التطلع إلى دور أكبر، عبر شبكة تحالفات خارجية وداخلية، كما فعل هو نفسه مع مرسي، عندما كان وزيراً للدفاع، قبل الثالث من يوليو 2013".
وكشفت أنه منذ نهاية العام الماضي أصدر السيسي قراراً بتشكيل لجنة عليا للتخطيط الاستراتيجي داخل مؤسسة الرئاسة، تابعة له بشكل مباشر، تكون مهمتها الأساسية صياغة السياسات المصرية العامة تجاه الملفات الإقليمية والدولية، على أن تقوم بعد ذلك الأجهزة السيادية المعنية بتنفيذ تلك السياسات. وأشارت إلى أن توجه السيسي بتشكيل تلك اللجنة، التي تترأسها فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي السابقة، ومساعدة رئيس الجمهورية، جاء بعد أن لاحظ توسع نفوذ وصلاحيات رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، حسب ترجيحات المصادر.
وتابعت المصادر أنه "على الرغم من وجود نجلي السيسي، محمود وحسن، في جهاز المخابرات العامة، وقرب اللواء عباس كامل منه، إلا أن شخصيته لا تميل إلى منح الثقة المطلقة لأحد، ودائماً ما يضع حدوداً لثقته في أي مسؤول، أو جهاز، أو معاون له، وهو ما يدفعه دائماً إلى عدم إبقاء أي مسؤول بارز في موقعه لفترة طويلة.
وبحسب المصادر، تشهد الأجواء بين قيادة جهاز المخابرات العامة، ولجنة التخطيط الاستراتيجي، التي تترأسها فايزة أبو النجا، مماحكات غير معلنة. وأوضحت أن "اللجنة الحالية كانت صاحبة القرار الأول في التوجهات الدولية الأخيرة فيما يخص فلسطين، وتركيا، وليبيا، وعددا من الملفات الأخرى"، مرجحة أن تلك الحالة من الصراع والتنافس وانشغال الأجهزة وقادتها، طوال الوقت، هي ما يسعى إليه السيسي دائماً.
المصدر العربي الجديد