"أكل اوراق الشجر".. مرحلة جديدة للسنوات العجاف من حكم السيسي

الاثنين - 23 مايو 2022

  • حديث السيسي "الغاضب" يظهر تفاقم أزمة النظام ويمهد لمزيد من التدهور
  • الأزمة الاقتصادية وتهاوي الاحتياطي ونقص المواد الأساسية قد تطيح بالنظام
  • أطراف داخلية وخارجية تسعى للتحرك لضمان الحماية لنفسها إذا انهار النظام
  • قلق وتخبط داخل النظام.. وتجاذبات دوائر السيسي باتت أمراً لا يمكن إنكاره
  • دائرة السيسي المقربة تخوض مواجهة غير معلنة مع أطراف بمؤسسات سيادية
  • القطاع الخاص يدخل دائرة الديون ويستعد لبيع سندات خضراء بملايين الدولارات

يعيش النظام المصري حاليا حالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار، بسبب تفاقم الأزمة  السياسية والاقتصادية.. ظهر ذلك بوضوح في حديث السيسي مؤخرا في علي هامش  افتتاح مشروع للصوب الزراعية، ذكر فيها حادثة حصار المسلمين الأول في شعب ابو طالب و أكلهم اوراق الشجر.

حديث السيسي "الغاضب"  أظهر مدي تفاقم الأزمة التي يعيشها النظام، خاصة ان تفاقم الأزمة الاقتصادية وتهاوي الاحتياطي والنقص الحاد في المواد الأساسية أصبحت تهدد بشكل حقيقي استقرار النظام، كما يظهر جليا حالة من الصراع داخل النظام  

انتقاده لآراء المصريين علي مواقع التواصل ورفضه الانتقاد لسياساته تؤكد توترة وتصاعد مخاوفه، خاصة أن السيسي ودائرته المقربة تخوض مواجهة غير معلنة حالياً مع أطراف في مؤسسات سيادية محسوبة على جهات لها امتدادات خليجية وخارجية.

وقد تزامن ذلك مع تعدد مظاهر الأزمة الاقتصادية، ومنها مؤخرا تصاعد عجز الموازنة مما أدي الي أن  يقر  السيسي ملحقا للموازنة بقيمة 6 مليارات جنيه، وتزامن ذلك مع دخول القطاع الخاص  دائرة الديون، حيث يستعد لبيع سندات خضراء بـ120-200 مليون دولار، وفي نفس السياق تشهد أسواق مصر ركودا  غير مسبوق بعد رفع الفائدة..ومن خلال سطور هذا التقرير نتعرض للتفاصيل.

تفاقم الأزمة  السياسية والاقتصادية

مازالت تصريحات السيسي الأخيرة حول الأزمة الاقتصادية بمصر ورفع الأسعار يلقي بظلاله على الساحة السياسية المصرية ، وقال  في تعقيب له على موجة ارتفاع الأسعار غير المسبوقة في بلاده منذ بدء الحرب في أوكرانيا، إن "النبي محمد (ص) وأصحابه حوصروا في شعب أبي طالب (حصار أهل مكة الجائر للنبي ومن معه) لمدة ثلاث سنوات، وقطع عنهم الطعام والشراب، إلى درجة أنهم كانوا يأكلون من أوراق الشجر".

أضاف السيسي، في كلمته بمناسبة افتتاح مشروع للصوب الزراعية،   "رغم ذلك، ماحدش اعترض من الصحابة، وقال للنبي محمد (ص) قل للملائكة أن تحضر لنا الطعام، أو أن تفجر المياه من تحتنا. ربنا وحده القادر على أن يقول للشيء كن فيكون، لكن إحنا كبشر مش كده"، على حد تعبيره.

ووجّه السيسي حديثه للمصريين، قائلاً "ما نفعله من إنجازات فضل كبير علينا من الله تعالى، وخائف من أن يسلط ربنا علينا أنفسنا فندمرها، كما قال في كتابه (أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا)"، متابعاً "خائف من تخريب كل ذلك بسبب كثرة الجهل المنتشر في المجتمع، وعدم الوعي أو الفهم!".

وكان السيسي قد هاجم رئيس حزب "الكرامة" المعارض، أحمد طنطاوي، من دون أن يذكر اسمه صراحة، بقوله "من فضلكم لا أريد أن أرى أحد الأشخاص، وهو يضع قدماً على قدم، ويتحدث للرأي العام عن موضوعات تحتاج إلى دراسة وعلم. فالحديث يجب أن يكون في سياق فكري وعلمي وتخطيطي، لأن الكلام قد يكون مرتباً، وتعتقد الناس أنه حقيقي".

وفي أول ظهور له منذ خسارته مقعده النيابي في الانتخابات التي جرت أواخر عام 2020، حمّل طنطاوي نظام السيسي "المسؤولية عن الفشل الاقتصادي مكتمل الأركان الذي تعيشه مصر حالياً"، مؤكداً أن "رئيس الجمهورية ليس مصدر إلهام، أو خبيراً في العشرات من الملفات، وعليه أن يستعين بالخبراء -كل في تخصصه- في ظل مواجهة مصر خيارات صعبة، يجب أن ينتصر فيها لصالح الوطن".

وقال طنطاوي، في مقابلة مع قناة "بي بي سي عربي" مؤخراً، إنه "كان من المفترض أن تنتهي ولاية السيسي هذا العام بمرور ثماني سنوات على توليه الحكم عام 2014، مثلما قال الدستور، ومثلما وعد هو نفسه"، مضيفاً "نرى أن أفضل شيء ممكن أن تقدمه السلطة الحالية هو أن تتحول إلى سلطة سابقة بانتخابات ديمقراطية ونزيهة، ويا حبذا لو كان هذا في أقرب وقت ممكن (انتخابات مبكرة)".

رسائل غاضبة تعكس الأزمات

وفسّر مراقبون وسياسيون حرص السيسي على الظهور  في افتتاح مشروع "مستقبل مصر للإنتاج الزراعي"، والحديث في أمور مختلفة بطريقة غاضبة، بأنه "تعبير عن تصاعد عدة أزمات يعيشها النظام، وتحديداً السيسي نفسه والدائرة الصغيرة المحيطة به، والمتمثلة بنجله محمود السيسي، ومدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل" الساعد الأيمن للرئيس.

وقالت مصادر لـ"العربي الجديد" إن "تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد وتهاوي الاحتياطي النقدي الأجنبي، والنقص الحاد في المواد الأساسية مثل الحبوب والمواد البترولية، كلها أمور تهدد بشكل حقيقي استقرار النظام، ولذلك فإن الأطراف الفاعلة، سواء كانت داخلية مثل القوات المسلحة وغيرها، والخارجية مثل حلفاء السيسي الإقليميين والدوليين، تبحث سيناريوهات المستقبل في حال وقعت الواقعة وانهار النظام".

وأضافت المصادر أن "هناك أيضاً أطرافاً داخلية وخارجية تسعى للتحرك لضمان الحماية لنفسها إذا حدث ما يهدد استقرار النظام، ولذلك فهي تقوم بتحركات يرى السيسي أنها تهدف إلى زعزعة استقراره".

وأوضحت المصادر أن "ذلك هو الدافع الرئيس وراء ظهور السيسي ، وحرصه على الرد على الكثير مما يقال أخيراً".

وأشارت المصادر إلى أن "هناك العديد من الظواهر التي طفت أخيراً على سطح الحياة السياسية والأمنية في مصر، مثل السيدة التي تعيش في كندا، والتي تظهر من وقت لآخر عبر مقاطع فيديو تزعم خلالها بأن لديها معلومات حول أسرة السيسي وبعض المسؤولين، بالإضافة إلى عودة جمال مبارك، نجل الرئيس السابق حسني مبارك، للظهور مجدداً وتحديداً من الإمارات".

هذا فضلاً عن "صعود بعض المؤشرات حول وجود خلافات داخل الأجهزة الأمنية نفسها، والتي ظهرت في الخلافات داخل البرلمان مع الحكومة حول الموازنة وجدوى المشروعات التي تقوم بتنفيذها"، وفق المصادر

وقالت المصادر إن "كل هذه الظواهر تثبت أن هناك حالة من القلق والتخبط داخل النظام وأجهزته، يغذيها القلق من المستقبل، ولذلك يحاول السيسي بحديثه أن يوحد الجبهات مجدداً ويطلق تحذيرات مبطنة إلى أي طرف يحاول العبث باستقرار النظام".

وعلقت مصادر مصرية أخرى على تصريحات السيسي، بالقول إن "التجاذبات داخل دوائر السيسي باتت أمر لا يمكن إنكاره". وأكدت أن "السيسي ودائرته المقربة تخوض مواجهة غير معلنة حالياً مع أطراف في مؤسسات سيادية محسوبة على جهات لها امتدادات خليجية وخارجية، وهو ما يزعج الرئيس ويجعل سيطرته على تلك المجموعات محفوفة بمخاطر عدة، ولذلك يبدو غاضباً خلال الفترة الأخيرة".

ملحق للموازنة يرهق حسابات الدولة

في سياق الأزمة الاقتصادية ، "السيسي" أقر  ملحقا لموازنة السنة المالية الحالية المنتهية في يونيو/حزيران المقبل، بقيمة 6 مليارات جنيه (329.5 مليون دولار).

وذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية، أمس  الأحد، أن "السيسي" وقع على قانون الملحق للسنة المالية الحالية، بقيمة 6 مليارات جنيه.

يأتي ذلك، مع ارتفاع التكاليف المالية على الحكومة المصرية، بسبب تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، وسط زيادات على أسعار غالبية السلع، بصدارة الوقود بأنواعه والحبوب كالقمح والذرة.

وفي يونيو/حزيران 2021، أقر البرلمان المصري، موازنة عامة قياسية للسنة المالية 2021-2022 بمقدار 2.46 تريليون جنيه (158 مليار دولار)، بزيادة 17 بالمئة على ميزانية السنة المالية الماضية.

وتعاني مصر من عجز ضخم بالميزانية أفرزت فجوة تمويلية حادة وسط حجم غير مسبوق للقروض وفوائدها

القطاع الخاص يستعد لبيع سندات

وفي سياق متصل نقلت وزارة التخطيط المصرية، الأحد، عن الوزيرة "هالة السعيد" قولها إن القطاع الخاص المصري يستعد لبيع سندات خضراء بقيمة تتراوح بين 120 مليونا و200 مليون دولار.

ولم تحدد الوزيرة الإطار الزمني لإطلاق السندات، التي تأتي بعد بيع مصر لسندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار في 2020 لتعبئة الموارد لمشروعات خضراء خاصة في مجال النقل النظيف.

وتنشط الحكومة بقوة لتمويل سلسلة من المشروعات العملاقة التي أعلنت عنها على مدار السنوات الماضية، من بينها عاصمة إدارية جديدة للبلاد باستثمارات 60 مليار دولار، وشبكة قطارات فائقة السرعة بتكلفة 23 مليار دولار ومحطة للطاقة النووية باستثمارات 25 مليار دولار

أسواق مصر على أبواب الركود

وفي سياق تصاعد الأزمة الاقتصادية ، زادت التخوفات في الأسواق المصرية من الغرق في ركود عميق عقب قرر البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة بنسبة 2%، لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة وتراجع الجنيه وهروب الأموال الساخنة من مصر، والتي قدرت رسمياً بنحو 20 مليار دولار خرجت في الربع الأول من العام الجاري.

وحسب مراقبين، فإن قرار رفع الفائدة سيؤدي إلى تفاقم الركود في الأسواق كما سيؤثر سلباً على العديد من القطاعات الاقتصادية، وأبرزها الصناعة.

أكد وزير المالية المصري السابق، والخبير الاقتصادي، أحمد جلال، تحفّظه على رفع الفائدة لوقف الضغط على الدولار، الذي أصبح نادر الوجود، الأمر الذي يرفع معدلات الدين الداخلي، ويوجه جل مواردها لخدمة الفوائد والقروض.

وأوضح أن 54% من مدخلات الموازنة العامة للدين العام، وهو أمر مقلق جداً. وقال إن زيادة الفائدة ترفع من معدلات التضخم الذي تتسع فجوته، وتظهر في زيادة الفروق بين الطبقات، إذ تجهد الفقراء، وتدفع بالطبقة الوسطى إلى أسفل.

وقال إن السياسة المالية غير المنضبطة التي تتبعها الحكومة يجب أن تتوقف عن اللجوء إلى زيادة سعر الفائدة، لا سيما أن هذه اللعبة السهلة التي يلجأ إليها البنك المركزي لتخفيف الضغط على الدولار لم تفلح من قبل، مرات عدة، فلماذا نكررها ونحن نعلم أن المشكلة لدينا ليست مثل الولايات المتحدة التي استهدفت زيادة الفائدة لكبح الاستهلاك، بينما في مصر، زيادة الفائدة تعني توقف النشاط الصناعي والزراعي، وزيادة الدين المحلي وسقوط المزيد في هوة الفقر.

وأبدى ممثلو الغرف التجارية والصناعية وخبراء ماليون مخاوفهم من أن يؤدي القرار إلى مزيد من التضخم، بما يتجه بالأسواق إلى ركود عظيم يستمر لمدة عام أو عامين على الأقل.